للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنما يسوغ إذا لم يخالف ذلك، فإذا خالفه كان مردودًا، لاَ خَفِيٍّ، أى إذا ظهر له قياس خفي رجح عنده على ما حكم به ورأى أنه الصواب؛ فليحكم بما حَدَثَ بعد ذلك من أخوات الحادثة بما رآه ثانيًا، ولا يَنْقُضُ ما حكم به أولًا بل يُمْضِيْهِ؛ لأن الظنون المتعادلة لو نُقِضَ بعضُها ببعض لما استمر حُكْمٌ؛ ويشق الأمر على الناس. وقد بَيَّنْتُ القياس الجلي والخفي في الأصل فراجعه منه.

وَالْقَضَاءُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا، لأنَّا مأمورون باتباع الظاهر والله يتولى السرائر (٥١٠)؛ فإذا حكم بشهادة الشهود بظاهر التعديل وهم كذبة لا يفيد حكمه الحل باطنًا سواء كان الحكم بمال أو نكاح أو غيرهما، وقد وافق الخصم على الأَمْلاَكِ الْمُطْلَقَةِ، نَعَمْ؛ الانشاءات كالتفريق بين المُتَلاَعِنِيْنَ ونحوه إذ ترتبت على أصلٍ صادقٍ، فإن لم يكن في محل اختلاف المجتهدين نفذ ظاهرًا وباطنًا، وإن كان مختلفًا فيه نفذ ظاهرًا وكذا على الأصح عند جماعة منهم البغوي، وَلاَ يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِالإِجْمَاعِ، قُلْتُ: ففيه وجه حكاه الماوردي، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، لأنه إذا حكم بما يفيد الظن وهو شاهدان أو شاهدٌ ويمين فبالعلم أولى، قال الماوردي ويشترط لنفوذه أن يقول قد علمت أن له عليك ما ادعاه وقد حكمت عليك بعلمي فإن أغفل شيئًا من ذلك لم ينفذ، والثاني: لا للتهمة، والأول أجاب عن معنى التهمة: بأن القاضي لو قال: ثَبَتَ عندي وصَحَّ لَدَيَّ كذا لزم قبوله ولم يبحث عما صح وثبت به؛ والتهمة قائمة.

فَرْعٌ: قال الإمام: اللَّوْثُ إِذَا عَايَنَهُ الْقَاضِي لهُ اعتمادهُ قطعًا.


(٥١٠) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَة قَالَ: سَمِعْتُ عُمرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقولُ: (إِنَّ أُنَاسًا كَانُواْ يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ؛ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعْمَالِكُمْ؛ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيْرَتِهِ شَيْءٌ؛ وَاللهُ يُحَاسِبُ سَرِيْرَتَهُ. وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إنَّ سَرِيْرَتَهُ حَسَنَةٌ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الشهادات: باب الشهداء العدول: الحديث (٢٦٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>