وفيه قِصَّةٌ في البيهقي حَسَنَةٌ لكن في إسنادها ضعف (٥١١). والثاني: يُسَوِّي بينهما لما سلف؛ ولأنه يسوي بينهما في الإقبال عليهما والاستماع منهما فكذا في المجلس، قال الرافعي: ويمكِنُ أن يكون الوجهان في رفع المجلس جاريين في سائر وجوه الإكرام وقد صرَّحَ بذلك الفورانيُّ قبلَهُ، وَإِذَا جَلَسَا، بين يديه، فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ، لأنهما حضرا للكلام وله، وَأَنْ يَقُولَ: لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي، لأنه ربما هَابَاهُ، فَإِذَا ادَّعَى، أي دعوى صحيحة، طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ، لأن به تنفصل الخصومة، فَإنْ أَقَرَّ فَذَاكَ، وَإنْ أَنْكَرَ فَلَهُ أَن يَقُولَ لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ لأجل فصل الخصومة، وَأَنْ يَسْكُتَ، تحرزًا من اعتقاد ميل إلى المدِّعي، فَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيْدُ تَحْلِيْفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، لأنه إن تورع عن اليمين وأَقَرَّ سهل الأمر على المدعي واستغني عن إقامة الْبَيِّنَةِ، وإن حلف! أقام البَيِّنَةَ وَبَانَ كذبه وخيانته فله إذًا في التحليف غرض ظاهر وإن قال: أَوْ لاَ بَيِّنَةَ لِي، أي حاضرة ولا غائبة أو قال: كُلُّ بَيِّنَةٍ أقيمُها فهي باطلةٌ أو كاذبةٌ أو بَيِّنَةُ زُورٍ، ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ فِي الأَصَحِّ، لأنه ربما لم يعرف أو نسي ثم عرف وتذكر، والثاني: لا، للمناقضة؛ إلّا أن يذكر لكلامه تأويلًا كَكُنْتُ ناسِيًا أو جاهِلًا، ونسبه الماوردي والروياني إلى الأكثرين.
فَرْعٌ: لو قال: لاَ بَيَّنَةَ لِي! واقتصر عليه؛ فقال البغوي: هو كقوله: لا بينة لي حاضرة، وقيل: كقوله لا حاضرة ولا غائبة؛ فيكون فيه الوجهان، وهو ما أورده الغزالي؛ وهو ظاهر إيرادُ المصنِّفِ حيث قال ولا بينة لي لكني قيدته بما سلف تبعًا للرافعي في شرحه؛ فإنه ذكره كذلك؛ وصحَّحَ القبول ولم يصحح في هذه شيئًا.
فَصْلٌ: وَإذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ قُدِّمَ الأَسْبَقُ، لأنهُ الْعَدْلُ، والاعتبار بسبق المدعي دون المدّعي عليه؛ فَإِنْ جُهِلَ، أي السابق، أَوْ جَاؤُواْ مَعًا أُقْرِعَ، لتعيين ذلك طريقًا كالسفر ببعض نسائه، ولو آثر بعضهم بعضًا جاز، ثم هذا إذا أمكن الإقراع فلو
(٥١١) رواها البيهقي في السنن الكبرى: كتاب آداب القاضي: جماع أبواب ما على القاضي: باب إنصاف الخصمين: الأثر (٢١٠٥١). وإسنادها ضعيف.