للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• الثَّالِثُ: أَنْ لاَ يَسْبِقَهَا وَلاَ يُقَارِنَهَا جُمُعَةً فِي بَلْدَتِهَا، لأنه لو جاز تعددها لجاز في مسجد العشائر، وذلك لا يجوز بالإجماع فكذا هنا، إِلَّا إِذَا كَبُرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانِ، وَقِيلَ: لاَ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ، وَقِيلَ: إِنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شَقَّيْهَا كَانَا كَبَلَدَينِ، وَقِيلَ: إِنْ كَاَنَتْ قُرًى فَاتَّصَلَتْ تَعَدَّدَتِ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا، أى في الابتداء، وأعلم أن سبب هذا الاختلاف؛ أن الشافعي - رضي الله عنه - دخل بغداد وهُم يقيمون الجمعة في موضعين، وقيل: ثلاثة؛ فلم ينكر، فاختلف أصحابنا في سببه على

أوجه أصحها أن سببه الأول من هذه الأوجه، وقيل: إن المسألة اجتهادية وليس للمجتهد أن ينكر على المجتهدين، أو لم يقدر على الإنكار، وقيل: سببه الثالث، وقيل: الرابع.

فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ، أي من حيث لا يجوز التعدد، فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ، لاجتماع الشرائط فيها، واللاحقة باطلة، لا تقدم من أنه لا مزيد على جمعة واحدة، وَفِي قَوْلٍ: إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ، لأنَّ في تصحيح الأُولى افتياتاً عليه أي فَوْتاً، يقال أفتأت عليه بكذا أي فاتَّه به، والمراد به الإمام الأعظم أو خليفته في الإمامة أو الراتب من جهته كما ذكره الجيلي، وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ، لأن به الانعقاد فَأَيَّتُهَا أَحْرَمَ بِهَا أوَّلاً فهي الصحيحة، والأصح أن الاعتبار بآخر التكبير لا بأوله، وَقِيلَ: التَّحَلُّلِ، لأن الصحيحة إذا وقع التحلل عنها أمن عروض الفساد لها،


= يَرَى أَهْلَ الْمِيَاهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةِ يُجَمِّعُونَ فَلاَ يَعِيْبُ عَلَيْهِمْ) قال ابن حجر: أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح. وهو عند ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف عن مالك: النص (٥٠٧١) بلفظ: (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمِيَاهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةِ يُجَمِّعُونَ). وأخرج البيهقى عن الوليد بن مسلمة قال: سألتُ اللِّيْثَ بْنَ سَعْدٍ فقال: (كُلُّ مَدِيْنَةِ أَوْ قَرْيَةٍ فِيْهَا جَمَاعَةٌ وَعَلَيْهِمْ أَمِيْرٌ أُمِرُواْ بِالْجُمُعَةِ فَلْيُجَمِّعْ بِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَدَائِنَ مِصْرَ وَسَوَاحِلَهَا كَانُواْ يُجَمِّعُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَفِيْهَا رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ) في السنن الكبرى: كتاب الجمعة: النص (٥٧١٠). والأصل في الجمعة في القرى حديث ابن عباس في فعل أهل جواثى. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>