للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: ٧] فالأصل فِي الانسان أن يكون على طبيعة خلقه فِي الاستواء والاعتدال، وهى الحال الناشطة به للقيام بمسؤولياته فِي الحياة، بالقيام بالطاعات وتقصد القربات، أى القيام بالتكاليف الشرعية من تحمل الواجبات وترك المحرمات والزيادة فِي طلب القربات والمندوبات والحذر من المكروهات، واختيار من العمل ما يُطمع فيه برضوان الله والقبول عنده سبحانه وتعالي.

وإذا طرأ على الانسان ما يضحره او يعوقه عن مهامه أو أدائها بالتي هي أحسن وعلى الوجه الأتم الأكمل؛ أو يحول بينه وبين حاله السوية المعتدلة فِي حسن التقويم، فإنه يقتضي المعالجة على الفور أو التراخى بحسب الحال الطارئة عليه فِي حينها. لأن الطارئ قد يكون مما لا يحتاج الانسان فيه إلى فكر ونظر ليعالجه، لما فطر الله على معرفته الإنسان والحيوان بالغريزة، مثل ما يدفع الجوع والعطش وهكذا. ومنه ما يحتاج إلى الفكر والنظر كدفع ما يحدث فِي البدن من عوارض قد تخرجه من الاعتدال، أو يحدث فِي النفس ما يخرجها عن المعهود والاستقرار، أى يخرجها عن حال الاطمئنان وزوال الخوف. وكلا النوعين مرض يحتاج المعالجة.

والمرض هو الفتور والسَّقَمُ؛ والفتور سكون بعد حِدَّةٍ، ولين بعد شدَّةِ وضعف بعد قوَّةٍ، والمراد هنا؛ بالسكون عن النشاط الطبيعي لفطرة الإنسان فِي إشباع جوعاته من المأكل أو المشرب، أو فِي إشباع شعور العجز فيه والتدين بالعبادة والاتباع؛ فيضعف الإنسان عن القيام بمهامه على الحال السوية لحياته وضروراتها المطلوبة منه.

ويطلق الفتور غالباً على العامل النفسي الذى يُسَكَّنُ بنشاط الإنسان بعد حدة، ويلين به بعد شدة، وهو ما يظهر بالخمول والتكاسل، قال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء / ١٩ - ٢٠] أي لا يسكنون عن نشاطهم فِي العبادة. فالفتور أحوال للنفس وتقلباتها فِي الدافع إلى الاتباع والميل إلى فعله بسكون أو حدة، لين أو شدة، ضعف أو قوة [ينظر مادة (مرض) ومادة (فتور) ومادة (سقم) فِي: معجم مقاييس اللغة، ترتيب القاموس المحيط: مختار الصحاح: المفردات فى غريب القرآن]. وَالسَّقَمُ المرضُ المختصُّ بالبدن.

وتنظر حال الانسان فِي الفتور، هل السكون واللين والضعف من سَقَمٍ أم من اضطرابِ خلجات النفس وقلق تدفقاتها العاطفية بدافع الشعور الفطري فِي داخله وتأثير العامل الفكري فِي معالجته، فتأتي فِي النفس شجون الحيرة والقلق أو متطلبات الأمان وحوافز الخوف، فصراع الأهواء، هوى الفطرة وهوى الفكرة، مما يحتاج =

<<  <  ج: ص:  >  >>