فسيأتي في بابه. وعبارة الخفاف في خصاله في وقت الرمى أن وقته بعد نصف ليلة النحر بقدر ما يأتي من مزدلفة إلى منى، وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْي إِلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ، لما روى البخاري عن ابن عباس [أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: لا حَرَجَ](١١٣٤) والمساء يُطلقُ على ما بعد الزوال. وهل يمتد الرمي تلك الليلة؟ فيه وجهان؛ أصحهما في الرافعي والروضة: لا؛ لعدم وروده، والثاني: نعم تشبيهًا بالوقوف، وصححه المصنف في مناسكه الكبرى في الكلام على رمي أيام التشريق، ووقع في موضع من الرافعى: أن وقته من انتصاف ليلة النحر إلى الزوال، وينبغي أن يحمل على وقت الفضيلة وبه صرح الماوردي.
ولا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ، أي ذبح الهدايا، بِزَمَنٍ، ولكن يختص بالحرم؛ بخلاف الضحايا فإنها تختص بالعيد وأيام التشريق دون الحرم. قُلْتُ: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الأُضْحِيَةِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَالله أَعْلَمُ، كذا ذكر المصنفُ مثلَ هذا الاعتراض على الرافعى في الروضة وشرح المهذب وهو وارد عليه من جهة أنه أطلق ذكر الهدي هنا ولم يخصه بواجب ولا غيره. ولا شك أن الهدي يطلق على دماء الجبرانات والمحظُورات؛ وهذا لا يختص بزمان قياسًا على الديون وغيرها، ويطلق على ما يسوقه المحرم تقربًا إلى فقراء الحرم وهذا محل الخلاف، والصحيح الاختصاص قياسًا على الأضحية، والثانى: لا قياس على دماء الجبرانات، والقسم الأول هو مُراد الْمُحَرَّرِ هنا، والثاني: هو مراده في آخر باب محرمات الإحرام، فَلَيْسَتَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً ولا تَنَاقُضَ فِى كَلامِهِ وَللهِ الْحَمْدُ، وقد أوضح ذلك الرافعى نَفْسَهُ في كلامهِ على لفظ الوجيز وقد ذكرته بلفظه في الأصل فاستفده.
(١١٣٤) الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: (كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنَى؛ فَيَقُولُ: [لا حَرَجَ]. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ؛ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: [اِذْبَحْ ولا حَرَجَ] وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ: [لا حَرَجَ]. رواه البخارى في الصحيح: باب إذا رمى بعدما أمسى: الحديث (١٧٣٥).