للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينشئ للحج ميقاتًا، بل يحرم به من مكة، ولهذا أفضله الإفراد، فإنه ينشئ لهما ميقاتين. وأما القارنُ فإنه يأتى بعمل واحد من ميقات واحد.

وَفِي قَوْلٍ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنَ الإفْرَادِ، لأنه أَحَدُ مَا قيل في إحرامه عَلَيْهِ الصلاة والسلام. ولأن فيه مبادرة إلى العمرة؛ فإن فيه تأخيرًا لفعلها فربما مات قبل الفعل، وفي قول ثالث: أن القِران أفضل واختاره المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي.

وَعَلَى التمتَّعِ دَمٌ، بالإجماع وهو شاة بصفة الأضحية، ويقوم مقامها سُبْعُ بَدَنَةٍ أو سُبْعُ بَقَرَةٍ، بِشَرْطِ أَن لا يَكُون مِنْ حَاضِري الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (١١٥٣)، وَحَاضِرُوهُ مِنْ دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ، لأن من قرب من الشيء ودنا منه كان حاضرًا إياه، مِنْ مَكةَ، لأن المسجد الحرام المذكور في الآية الكريمة ليس المراد به حقيقته بالاتفاق، بل الحرم عند بعضهم ومكة عند آخرين، فلا بد من حمله على المجاز، وحمله على مكة أقل تجوزًا من حمله على جميع الحرم.

قُلْتُ: الأَصَحُّ مِنَ الْحَرَمِ، وَالله أَعْلَمُ، لأن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فالمراد به الحرم؛ إلا قوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (١١٥٤) فإن المراد به الكعبة. وخالف طواف الوداع؛ حيث اعتبرت المسافة فيه من مكة على الصحيح، لأن الوداعَ لِلْبَيْتِ فَنَاسَبَ اعتبار مكة، وهنا الآية نَاصَّةٌ على المسجد الحرام والمراد منه الحرم كما سلف فكان الابتداء منه.

وَأَن تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، لأن العرب كانوا لا يزاحمون الحج بالعمرة في مظنته، ووقت إمكانه؛ ويستنكرون ذلك ويقولون: هو من أفجر الفجور. فورد التمتع رخصة وتخفيفًا، إذ الغريب قد يردُ قبل عرفة بأيام ويشق عليه استدامة الإحرام ولا سبيل إلى مجاوزته بغير إحرام، فجوز له أن يعتمر ويتحلل مع الدم، ولو أحرم


(١١٥٣) البقرة / ١٩٦.
(١١٥٤) البقرة / ١٤٩ و ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>