للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حريمًا لِدَارٍ بَأَوْلى مِنْ جَعْلِهِ حريمًا لأُخْرَى، وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، أي وإن تضرر به صاحبه، ولا ضمان عليه إذا أفضى إلى تلف، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، لمخالفةِ العادَةِ وَالافْتِئَاتِ، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارَهُ الْمَحْفُوفَةَ بِمَسَاكِنَ حَمَّامًا وَاصْطَبْلًا، أي وكذا طاحونةً، وَحَانُوتَهُ فِي الْبَزَّازِينَ حَانُوتَ حَدَّادٍ، أي وكذا قصَّارًا، إذَا احْتَاطَ وَأَحْكَمَ الْجُدْرَانَ، أي بحيثُ يليقُ بما يقصده، لأنه مُتَصَرِّفٌّ في خَالِصِ مِلْكِهِ. وفي منعِهِ إضرارٌ به. فإن فَعَلَ ما الغالبُ منه ظهورُ الخَلَلِ في حيطان الجار فالأَصَحُّ الْمَنْعُ، والثاني: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ الضَّرَرُ، واختارَ ابنُ الصلاحِ أنَّه يُمْنَعُ مِنْ كُلِّ مُؤذٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ مُطْلَقًا.

فَرْعٌ: لو كانَ دقُّ القَصَّارِ يمنعُ ثبوتَ الْحَمَامِ لم يمنع من الدَّقِّ، قاله في البحرِ. وَيَجُوزُ إِحْيَاءُ مَوَاتِ الْحَرَمِ، كما يجوز تملك معمورهِ بالبيع والهبةِ، دُونَ عَرَفَاتَ فِي الأَصَحِّ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ بِهَا، والثاني: يجوزُ كغيرها؛ فقيل: يبقى حقُّ الوقوفِ؛ وقيل: لا. وقيل: إنْ ضَاقَ (•) الباقي بقى وإلَّا فلا، وإذا قلنا يبقى حقُّ الوقوفِ قال ابنُ الرفعة: فهل يثبتُ في كُلِّ الوقتِ من الزوال يومَ عرفةَ إلى طلوعِ الفجرِ فليس لِلْمُحْيِيِّ إزعاجُهم فيه أَوْ لَهُ إزعاجُ من حصل له الوقوفُ. الأَشْبَهُ الأَوَّلُ، بل لا يَسُوْغُ غَيرُهُ. قُلْتُ: وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنَّى كَعَرَفَةَ، وَالله أَعْلَمُ، لوجود المعنى -كذا جزم به المصنف- هنا، وعبَّر عنهُ بالأصحِّ في تصحيحه وذَكَرَهُ في الروضةِ بحثًا، بِلَفْظِ يَنْبَغِي، وفيه نظرٌ؛ لضيقِ مزدلفة ومِنى دُوْنَ عرفاتٍ فينبغي الجزمُ بعدمِ الجَوَازِ.

فَصْلٌ: وَيَخْتَلِفُ الإِحْيَاءُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ، أي والرجوع في ذلك إلى العُرْفِ، لأَنَّ الشرْعَ أَطْلَقَهُ وَلَا حَدَّ لَهُ في اللغة فيرجع فيه إليه وهو في كلِّ شيءٍ بحسبهِ والضابطُ التهيئةُ للمقصُودِ، فَإِنْ أَرَادَ مَسْكَنًا اشْتُرِطَ تَحْويطُ الْبُقْعَةِ، أي بالأجزاءِ وغيرهِ بحسب العادة، وَسَقْفُ بَعْضِهَا، لأنَّ اسمَ الدَّارِ حينئذٍ يقعُ عليهِ، وَتَعْلِيقَ بَابٍ، لأنَّ العادةَ في المنازل أنْ يكونَ لها أبوابٌ، وما لا باب له لا يُتَّخَذُ مسكنًا، وَفِي الْبَابِ


(•) في النسخة (٢) بدل ضاق: أضاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>