فأين هذه النصوص مما زعمه العقاد؟ الذي أظنه أن الكاتب الجريء، قرأ شيئًا هنا وشيئًا هناك، ثم اختلطت هذه النصوص وغيرها في رأسه واضطربت، فخرجت كما ترى، شيئًا ليس بالجديد البديع ولا بالقديم الصحيح، بل هي كما قلت من قبل (سواد في بياض).
ولكن بقي بعد هذا كله شيء واحد، هو أصل دعواه: أين موضع عروة بن الزبير؟ وأين موضع شعر عروة من هذه النصوص؟ هنا حلقة مفقودة، على الأستاذ العقاد أن يبحث عنها في مواضع علمه أو في حيث شاء.
وأما ادعاء الكاتب الجريء، على قاعدته المعروفة، أن يصدق ما يريد ويكذب ما يريد؛ إذ يستبعد أن يكون عروة ولد في سنة ٢٣ أو بعدها، فهذا إفساد للتاريخ العربي، وما هو بتحقيق، وإنما هي محاولة لستر موقفه، مبينة عن زيف حجته، وما هي بسبيل ما نحن فيه، فإنه إذا صح أن تاريخ ولادة عروة خطأ فليس ذلك بنافعه في موضوعه، فلئن كان الخطأ في سنة أو في عشر سنين لكان عروة مولودًا بعد وفاة رسول الله، بل لو كان الخطأ في عشرين سنة، لكان عروة طفلًا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (١) ولم يكن شاعرًا (تحفظ عائشة من شعره وتسوق
(١) الهدي النبوي: روى البخاري في صحيحه أن الزبير أصيب يوم اليرموك بضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضُربها يوم بدر قال عروة: (كنت أدخِل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير). (ص ٧٦ ج ٥ طبعة بولاق). فهذا دليل جديد ثابت في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى باتفاق أهل العلم على أن عروة كان طفلًا صغيرًا في زمن وقعة اليرموك، وليس أمام العقاد إذا =