فقد لخص المؤلف - أو اقتبس - الروايات التي وردت في واقعة خالد ومالك، وذكر تضارب الأخبار فيها, ولكنهُ أتى في بعض الرواية بشيء لم نجد عليه دليلًا، وما نظنه يصح، فلو أنه صحَّ لم يكن لخالد عذر، ولم يكن أبو بكر ليعذره، ولوجب عليه أن يأخذه بدم مالك بن نويرة؛ فقد قال المؤلف (ص ١٤٥): "إلى هنا تتفق الروايات، ومن هنا يبدأ اختلافها، قال أبو قتادة: إن القوم أقروا بالزكاة وإيتائها. وقال غيره: بل أنكروها وأصرُّوا على منعها"! !
ولم يكن شيء من هذا، فيما نعلم، فقد كان من عهد أبي بكر إلى جيوشه في حروب الردة:"إذا نزلتم منزلًا فأذّنوا وأقيموا، فإن أذنَّ القوم وأقاموا فكفوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شيء إلَّا الغارة، ثم تقتلوا كل قِتْلَةٍ، الحرقَ فما سواه، وإن أجابوكم إلى داعية الإِسلام فسائلوهم، فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم، وإن أبوْها فلا شيء إلَّا الغارة، ولا كلمة". وهذا هو المعقول البديهيّ المعروف من شرعة الإِسلام، ومن أخبار الخلاف بين أبي بكر وعمر في قتال مانعي الزكاة المرتدين، فقد كان عمر يظن أن منع الزكاة ليس ردةً، وأن إظهار الإِسلام وإقام الصلاة كافيان في حقن الدماء، فأقام أبو بكر عليه الحجة، حتى اطمأنّ إلى أن أداء الزكاة كإقام الصلاة شرط في صحة الإِسلام، فقال عمر:"فوالله ما هو إلَّا أن قد شرح الله صدر أبي بكر فعرفتُ أنهُ الحق".