فلو أن أبا قتادة ومن معه، الذين خالفوا على خالد، قبل مسيره إلى البُطاح (١) وبعده، وبعد أخذ مالك بن نويرة، شهدوا أن مالكًا وقومه "أقرُّوا بالزكاة وإيتائها" لم يكن خالد ليأمر بقتل رئيسهم مالكٍ إن شاء الله، فإنما كان مسيره ليرجعهم إلى الإِسلام وليأخذ منهم الزكاة، فماذا بعد أن يعطوا ما سار إليهم من أجله؟ لا شيء إلَّا العدوان وسفك الدم الحرام، ونعيذ بالله خالدًا ومن معه من ذلك. فهذه رواية لم نرها في شيء مما بين أيدينا من المصادر، ولا تكون صحيحة أبدًا، فما ندري من أين جاء بها المؤلف! !
وقد ساق المؤلف مسير خالد هذا المساق:"ثم إنه أزمع السير إلى البطاح يلقي فيها مالك بن نويرة ومن كان معه في مثل تردُّده، وعرف الأنصار هذا العزم منه فتردَّدوا وقالوا: ما هذا بعهد الخليفة إلينا، إنما عهده إن نحن فرغنا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا. وأجابهم خالد: إن يكن عهد إليكم هذا، فقد عهد إليَّ أن أمضي، وأنا الأمير وإليّ تنتهي الأخبار، ولو أنه لم يأتني كتابٌ ولا أمرٌ، ثم رأيتُ فرصةً إن أعلنته بها فاتتني، لم أعلمه حتى أنتهزها، وكذلك إذا ابتلينا بأمر لم يعهد لنا فيه، لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، وهذا مالك بن نويرة بحيالنا، وأنا قاصدٌ له بمن معي من المهاجرين والتابعين لهم بإحسان، ولست أكرهكم". (ص ١٤٣ - ١٤٤) وهذا النص نقله المؤلف من تاريخ الطبري (٣:
(١) البطاح: بضم الباء، وقد ضبطت في الكتاب (ص ١٣٦) بكسرها، وهو خطأ.