الوليد وأمره بطُليحة بن خُويلد، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبُطاح إن أقام له". فهذا هو العهد الصحيح، وهو المعقول في شأن الولاة والقواد، أن يكون العهد لهم، وأن تصدر الأوامر إليهم، لا إلى من دونهم من القادة أو الجند.
ولسنا نأخذ على المؤلف أن أتى بتلك الرواية, ولكنا كنا ننتظر منه أن ينقدها ويظهر ما فيها من ضعف، ونأخذ عليه أن أعْرض عن الرواية الصحيحة التي تصوّر الأمر تصويرًا منطقيًّا معقولاً، وتفسر تلك الرواية وتظهر ما فيها من ضعف أو وهم.
ومما يدل على ضعف تلك الرواية أو بطلانها، أن أبا قتادة بعد أن عاد هو ومن معه إلى خالد، وبعد مقتل مالك بن نويرة، عاد إلى سخطه على خالد، فجادلهُ في مقتل مالك بن نويرة، يقول الطبري (٣: ٢٤٢) وصاحب الأغاني (١٤: ٦٥ طبعة الساسي): "فزبره خالد، فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر، فغضب عليه أبو بكر، حتى كلمهُ عمر فيه، فلم يرضَ إلَّا أن يرجع إليه، فرجع إليه حتى قدم معه المدينة". فهذا الخليفة، وهو القائد الأعلى إذ ذاك، يغضب على أبي قتادة، على فضله وسابقته، أن خالف عن أمر أميره وقائده، وأن ترك الجيش ورجع إلى المدينة يشكو أميره، لم يقبل له عذرًا, ولم يسمع له شكوى، وأبى إلَّا أن يرجع إلى أميره يكون في طاعته، لم يمنعهُ من ذلك شفاعة عمر، فأطاع وكافي مع أميره حتى وردا المدينة معًا، بعد تمام الغزو الذي خرجوا له.