وما أظن أن المؤلف قصد إلى معنى هذه الكلمات حرفيًّا، بما فسر لي من رأيه، وبما تبرأ مما ظننا به.
ولكن المؤلف - فيما أرى - لم يدرس علوم الحديث دراسة وافية، ولم يطلع على ما بذل علماء الحديث في الصدر الأول من جهد، وما استنبطوا من قواعد لرواية الأخبار والآثار، حتى ينفوا عنها الدخيل، وينقوها من الخطأ والعمد في التغيير؛ حتى تبرز صحيحة واضحة نقية، فوضعوا الشروط الدقيقة في الراوي الذي يأخذون عنه الحديث، وفي المروي الذي يرويه، وجعلوا أساس هذا كله العدالة، عدالة الناقل المحدث، بما في شروط العدالة المعروفة من دقة، تجعل الراوي موضع الثقة، بما عرف عنه من أمانة وصدق، وشرطوا أن لا يخالف الحديث المروي كتاب الله، ولا المعلوم من الدين بالضرورة، ولا ما رواه كافة الرواة الثقات العدول.
وكانت الأمة الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى أمة صدق وأمانة في مجموعها، وكان الجريء على الكذب نادرًا، وكان المسلمون - ولا يزالون - يعرفون أن الكذب على رسول الله من أعظم الجرائم، وهم يوقنون بما تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم -: "من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار". وكانوا أكثر ما يخافون من النقائص الكذب.
ومع هذا فإن النقاد الفطنين من أئمة الحديث لم يكتفوا بما عرفوا من أمانة الراوي وصدقه، وعدله في دينه، وعدله في خاصة نفسه، بل سبروا حديث كل راو، وعرضوه على كتاب الله، وعلى ما عرفوه من