اجتهد في الحكم فيها، ووجه اجتهاده واجتهاد غيره منهم - رضي الله عنهم - رجوع إلى نص عامّ، أو إلى أصل إباحة متقدمة، أو إلى نوع من هذا يرجع إلى أصله.
ولا يجوز أن يظن أحد أن اجتهاد أحد منهم هو أن يشرع شريعة باجتهاده، أو يخترع حُكمًا لا أصل له، حاشَ لهم من ذلك، فلما ولي عمر - رضي الله عنه - فُتحت الأمصار وتفرّق الصحابة في الأقطار، فكانت الحكومة تنزل بمكة أو بغيرها من البلاد، فإن كان عند الصحابة الحاضرين لها نصٌّ حُكِمَ به، وإلا اجتهدوا في ذاك، وقد يكون في تلك القضية نص موجود عند صاحب آخر في بلد آخر - وقد حضر المدني ما لم يحضر المصري، وحضر المصري ما لم يحضر الشامي، وحضر الشامي ما لم يحضر البصري، وحضر البصري ما لم يحضر الكوفي، وحضر الكوفي ما لم يحضر المدني.
كل هذا موجود في الآثار وتقتضيه الحالة التي ذكرنا من مغيب بعضهم عن مجلسه - عليه السلام - في بعض الأوقات وحضور غيره ثم مغيب الذي حضر وحضور الذي غاب، فيدري كل واحد منهم ما حضره ويفوته ما غاب عنه، وقد كان علم التيمم عند عمار وغيره، وغاب عن عمر وابن مسعود حتى قالا: لا يتيمم الجُنُب ولو لم يجد الماء شهرين. وكان حكم المسح على الخفين عند علي وحذيفة ولم تعلمه عائشة ولا ابن عمر ولا أبو هريرة على أنهم مدنيون، وكان توريث بنت الابن مع البنت عند ابن مسعود، وغاب عن أبي موسى،