مالك، في التطليق للإعسار، وللضرر، وللغيبة الطويلة، وغير ذلك، وكان ذلك التقرير فاتحة العمل الصحيح في سبيل إصلاح المحاكم الشرعية، والرقي بها إلى مقامها السامي في الإسلام وهذا التقرير لا تزال صورته الأصلية عندنا بخط الوالد، وقد قدمته إلى دار الكتب المصرية فصورتهُ بالتصوير الشمسي، ليكون بها أثرًا علميًّا تاريخيًّا، لمن شاء أن يرجع إليه.
قدَّم الوالد هذا التقرير في أوائل سنة ١٨٩٩، وفي صيف تلك السنة طاف الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده على كثير من محاكم الوجه البحري، واطلع على سَيْر الأعمال فيها، ليصف لها الدواء والعلاج بحكمته، ثم وضع هو أيضًا تقريره المشهور في إصلاح المحاكم في نوفمبر سنة ١٨٩٩، وهو التقرير الذي طبع بمطبعة المنار في شوال سنة ١٣١٧ (سنة ١٩٠٠)، فاتفق رأي الأستاذ الإمام ورأي تلميذه، في كثير من أنواع النقد وطرق الإصلاح.
ولكن يظهر أن الأستاذ الإمام لم يجد الفرصة مواتية لاقتراح أحكام تخالف مذهب الإمام أبي حنيفة، وخاصة في التطليق من القاضي، فترك الكلام في ذلك، وأشار في الكلام في المرافعات إشارة عامة، ودعا إلى الأخذ بشيء من أحكام المذاهب الثلاثة الأخرى (ص ٣٨).
وأظن أن الأستاذ الإمام رأى أن يمكّن للوالد في بعض البلدان حتى ينفذ آراءه في الإصلاح، ولذلك زكَّاه لمنصب قاضي قضاة