السودان، وأخذ وليّ الأمر بتزكية الإمام، فصدر الأمر العالي بإسناد هذا المنصب إليه في يوم ١٠ ذي القعدة سنة ١٣١٧ (١١ مارس سنة ١٩٠٠) وكان ذلك يعقب انتهاء الثورة المهدية، وعودة السودان إلى حظيرة مصر مُلْكًا واحدًا ودولةً واحدةً، وإن فرقت بينهما في المظاهر مقتضيات السياسة.
وكانت بلاد السودان حينئذ كما تكون البلاد بعد الثورات الماحقة، هدمت النظم والقوانين والحكومة، فكأنها كانت بلادًا بكرًا، ينشأ فيها كل شيء من ذلك إنشاءً جديدًا، وكان ذلك أيسر له في وضع النظم للمحاكم هناك على النحو الذي يريد، وتنفيذ آرائه كلها أو أكثرها في الإصلاح والتجديد، على مثال لم يسبق إليه، واقتبس في التشريع من المذاهب الإسلامية ما كانت الحاجة إليه ماسة مما تنصره أدلة الشريعة وفقهها الصحيح، وأشد ذلك ظهورًا للمتصلين بالقضاء الشرعي الحكم بالتطليق للغيبة والإعسار والحبس والضرار ونحوها، مما اقتبس في مصر بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ ووضع كثيرًا من القواعد الدقيقة الإجراءات مما اقتبس بعضه في مصر في اللائحة التي صدرت سنة ١٩١٠، فسبق السودان مصر في بعض نواحي الإصلاح بعشر سنين، وفي بعضها بعشرين سنة.
ولولا أن السياسة العامة للدولة المصرية في التشريع والقضاء وضعها ناس لا يعرفون الشريعة الإسلامية ودقائقها، وغرَّهم ما رأوا من ضعف القضاء الشرعي بضعف رجاله في ذلك العهد، واحتكر