المِلَل والنِّحَل، وقال عن النوع الأخير - المسمى عند علماء المصطلح بالآحاد -: إنه هو ما رواه الثقة عن الثقة كذلك حتى يبلغ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، يخبر كل واحد منهم باسم الذي أخبره ونسبه، وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان، على أن أكثر ما جاء هذا المجيء فإنه منقول نقل الكوافّ، إما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - وإما إلى الصاحب، وإما إلى التابع، وإما إلى إمام أخذ عن التابع، يعرف ذلك من كان من أهل المعرفة بهذا الشأن، والحمد لله رب العالمين.
وهذا نقل خص الله - تعالى - به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها، وأبقاه عندهم غضًّا جديدًا حديثًا على قديم الدهور منذ أربعمائة وخمسين عامًا، في المشرق والمغرب والجنوب والشمال، يرحل في طلبه من لا يحصي عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة، ويواظب على تقييده، قد تولى الله - تعالى - حفظه عليهم والحمد لله رب العالمين، فلا تفوتهم زلة في كلمة فما فوقها في شيء من النقل إن وقعت لأحدهم، ولا يمكن فاسقًا أن يقحم فيه كلمة موضوعة، ولله تعالى الشكر.
أيها السادة:
هذه صورة مصغرة، بل لمحة خاطفة على المجهود الهائل الذي بذل سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم - للمحافظة على آثار نبيهم - صلى الله عليه وسلم - طاعة لما أمر به أصحابه في حجة الوداع: "أَلَا فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ