أفيجوز بعد ذلك لكل من ركب رأسه، وأعجبه عقله، ورضي عن نفسه، أن يقول هذا حديث صحيح وهذا حديث غير صحيح؟ ! أولا يعلم أنه حين يردُّ حديثًا صحيحًا - إما بنفي ثبوته وإما بتأويله عن غير وجهته - يرمي رجالًا من الثقات الأثبات والعلماء الحافظين، بأنهم كاذبون أو جاهلون، وهو لا يعرف شيئًا من أخبارهم ولا أحوالهم، وأنه يرميهم في دينهم وأمانتهم وصدقهم، وأنه حين يرضى عن حديث مفترى؛ فيزعم أنه صحيح ثابت، يشارك من افتراه في فريته، ويدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين".
أيها السادة:
أرجو أن تعذروني إذا أطلت القول في ذلك؛ فإنه بسبيل مما نعرض من إثبات حديث الإسراء والمعراج، ولأن الجرآء من الناس استرسلوا في العبث بالسنة الشريفة عدوًا وبغيًا.
فلم يكتفوا بتكذيب الرواة الثقات والأئمة الأثبات، بل زادوا عدوانًا وطغيانًا، اجترؤوا على تكذيب بعض أصحاب رسول الله - عليه الصلاة والسلام - وهم رسله إلى من بعدهم، والأمناء على دينه وشريعته، وهم الذين أثنى الله عليهم في القرآن بما لم يثن على غيرهم من أصحاب الأنبياء، وهم السابقون المقربون، رضي الله عنهم ورضوا عنه.