وقلنا للجهمية: من القائل يوم القيامة: {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[المائدة: ١١٦]؟ ! أليس اللَّه هو القائل؟ !
قالوا: فيكوَّنُ اللَّه شيئًا، فيعبر عن اللَّه كما كون شيئًا فعبر لموسى.
قلنا: فمن القائل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} [الأعراف: ٦، ٧]؟ ! أليس اللَّه هو الذي يسأل؟ !
قالوا: هذا كله إنما يكَوَّن شيئًا فيعبر عن اللَّه. قلنا: قد أعظمتم على اللَّه الفرية، حين زعمتم أنه لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون اللَّه، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان.
فلما ظهرت عليه الحجة قال: إن اللَّه يتكلم، ولكن كلامه مخلوق.
قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق فقد شبهتم اللَّه بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق اللَّه لهم كلامًا، وقد جمعتم بين كفر وتشبيه، وتعالى اللَّه عن هذِه الصفة، بل نقول: إن اللَّه لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان لا يتكلم حتى خلق الكلام. ولا نقول: إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علمًا فعلم، ولا نقول: إنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه القدرة. ولا نقول: إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورًا. ولا نقول: إنه قد كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة.
= وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٤/ ٢٨٣، وقال: هذا موقوف على كعب الأحبار، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين. اهـ.