فلما أشرفنا على البذندون، قال لي: يا أحمد بن غسان إني موصيك بوصية فاحفظها عني، راقب اللَّه في السراء والضراء، واشكره على الشدة والرخاء، وإن دعانا هذا الرجل أن نقول: القرآن مخلوق. فلا تقل، وإن أنا قلت فلا تركن إلي، وتأول قول اللَّه تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود: ١١٣] فتعجبت من حداثة سنه وثبات قلبه، فلم يكن بأسرع أن خرج خادم وهو يمسح عن وجهه بكمه وهو يقول: عز علي يا أبا عبد اللَّه أن جرد أمير المؤمنين سيفًا لم يجرده قط، وبسط نطعًا لم يبسطه قط، ثم قال: وقرابتي من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا رفعت عن أحمد وصاحبه حتى يقولا: القرآن مخلوق. قال: فنظرت إلى أحمد وقد برك على ركبتيه ولحظ السماء بعينيه، ثم قال: سيدي غر هذا الفاجر حلمُك حتى يتجرأ على أوليائك بالقتل والضرب، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته.
قال: فواللَّه ما مضى الثلث الأول من الليل إلا ونحن بصيحة وضجة، وإذا رجاء الحصار قد أقبل علينا فقال: صدقت يا أبا عبد اللَّه، القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، قد مات واللَّه أمير المؤمنين.
"حلية الأولياء" ٩/ ١٩٤ - ١٩٥
قال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق: ثنا حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: ما رأيت أحدًا على حداثة سنه، وقلة علمه، أقوم بأمر اللَّه من محمد بن نوح، وإني لأرجو أن يكون اللَّه قد ختم له بخير، قال لي ذات يوم وأنا معه خلوين: يا أبا عبد اللَّه، اللَّه اللَّه، إنك لست مثلي، أنت رجل يقتدى بك، وقد مد هذا الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق اللَّه واثبت لأمر اللَّه. أو نحو هذا الكلام.