قال علي بن صالح المصري: حدثنا سليمان بن عبد اللَّه السجزي قال: أتيت إلى باب المعتصم وإذا الناس قد ازدحموا على بابه كيوم العيد، فدخلت الدار فرأيت بساطا مبسوطا وكرسيًّا مطروحًا، فوقفت بإزاء الكرسي، فبينما أنا قائم فإذا المعتصم قد أقبل، فجلس على الكرسي، ونزع نعله من رجله، ووضع رجلا على رجل، ثم قال: يحضر أحمد بن حنبل، فأحضر، فلما وقف بين يديه وسلم عليه قال له: يا أحمد، تكلم ولا تخف.
فقال أحمد: واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد دخلت عليك وما في قلبي مثقال حبة من الفزع.
فقال له المعتصم: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام اللَّه قديم غير مخلوق، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}[التوبة: ٦].
فقال له: عندك حجة غير هذا؟ فقال أحمد: نعم يا أمير المؤمنين، قول اللَّه عز وجل: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ولم يقل: الرحمن خلق القرآن. وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} ولم يقل: يس والقرآن المخلوق.
فقال المعتصم: احبسوه. فحبس وتفرق الناس، فلما أصبحت قصدت الباب، فأدخل الناس فدخلت معهم، فأقبل المعتصم وجلس على كرسيه فقال: هاتوا أحمد بن حنبل. فجيء به، فلما أن وقف بين يديه، قال له المعتصم: كيف كنت يا أحمد في محبسك البارحة.
فقال: بخير والحمد للَّه، إلا أني رأيت يا أمير المؤمنين في محبسك أمرًا عجبا. قال له: وما رأيت؟ قال: قمت في نصف الليل فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين، فقرأت في ركعة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وفي الثانية {الْحَمْدُ لِلَّهِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} ثم