جلست وتشهدت وسلمت، ثم قمت فكبرت وقرأت {الْحَمْدُ لِلَّهِ} وأردت أن أقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فلم أقدر، ثم اجتهدت أن أقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر، فمددت عيني في زاوية السجن، فإذا القرآن مسجًّى ميتا، فغسلته وكفنته، وصليت عليه ودفنته.
فقال له: ويلك يا أحمد، والقرآن يموت؟ !
فقال له أحمد: فأنت كذا تقول: إنه مخلوق، وكل مخلوق يموت.
فقال المعتصم: قهرنا أحمد، قهرنا أحمد.
فقال ابن أبي دؤاد وبشر المريسي: اقتله حتى نستريح منه.
فقال: إني قد عاهدت اللَّه ألا أقتله بسيف ولا آمر بقتله بسيف.
فقال له ابن أبي دؤاد: اضربه بالسياط.
فقال: نعم، ثم قال: أحضروا الجلادين. فأحضروا، فقال المعتصم لواحد منهم: بكم سوط تقتله؟ فقال: بعشرة يا أمير المؤمنين.
فقال: خذه إليك.
قال سليمان السجزي: فأخرج أحمد بن حنبل من ثيابه، واتزر بمئزر من الصوف، وشد في يديه حبلان جديدان، وأخذ السوط في يده، وقال: أضربه يا أمير المؤمنين؟ فقال المعتصم: اضرب. فضربه سوطًا.
فقال أحمد: الحمد للَّه.
وضربه ثانيًا، فقال: ما شاء اللَّه كان.
فضربه ثالثًا، فقال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.
فلما أراد أن يضربه السوط الرابع نظرت إلى المئزر من وسطه قد انحل ويريد أن يسقط، فرفع رأسه نحو السماء، وحرك شفتيه، وإذا الأرض قد انشقت وخرج منها يدان فوزرتاه بقدرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فلما أن نظر المعتصم إلى