قال أبو علي حنبل بن إسحاق: لما أمر أبو إسحاق بتخلية أبي عبد اللَّه، خلع عليه أبو إسحاق منطقة وقميصًا وطيلسانًا وخفًّا وقلنسوة، فبينا نحن على باب أبي إسحاق في الدهليز، والناس في ذلك الوقت مجتمعون في الميدان، وفي الدروب وغيرها، وأغلقت الأسواق واجتمع الناس، فنحن على ذلك إذ خرج أبو عبد اللَّه على دابة من دار أبي إسحاق وقد ألبس تلك الثياب، وابن أبي دؤاد عن يمينه وإسحاق بن إبراهيم عن يساره، فلما صار في دهليز أبي إسحاق قبل أن يخرج إلى الطريق، قال لهم ابن أبي دؤاد: اكشفوا رأسه. فكشفوه وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس، فقال لهم: خذوا به هاهنا. يريد دجلة، فذهب به إلى الزورق، فحمل إلى دار إسحاق ومعه غسان وصاحب الشافعي، فأتي به دار إسحاق فأقامه عنده إلى أن صلينا الظهر، وبعثت إلى أبي وإلى جيراننا وإلى مشايخ المحال فجمعوا، فأدخلوا عليه، فقال لهم: هذا أحمد بن حنبل إن كان فيكم من يعرفه وإلا فليعرفه. وجاء ابن سماعة فدخل.
قال أبو عبد اللَّه: فقال ابن سماعة حين دخل للجماعة: هذا أحمد بن حنبل، وإن أمير المؤمنين ناظره في أمر وقد خلى سبيله، وها هو ذا، فأخرج على دابة لإسحاق عند غروب الشمس، فصار إلى منزله ومعه السلطان والناس.
فلما صار إلى الباب سمعت عياشًا صاحب الحبس لما رأى أبا عبد اللَّه قد أقبل، فقال عياش لصاحب إسحاق والناس قيام: تازية تازية -يعني: عربي عربي- فدخل أبو عبد اللَّه ودخلت معه من باب الزقاق، وهو منحنٍ على الضربة التي كانت قد أجافت ولم تنقب بحمد اللَّه، وكان عليها