منحنيا، فلما صار إلى باب الدار ذهب لينزل علي احتضنته ولم أعلم، فوقعت يدي على موضع الضربة فصاح وآلمه ذلك ولم أعلم، فنحيت يدي، ونزل متوكئًا علي ودخلنا وأغلق الباب.
ورمى أبو عبد اللَّه بنفسه على وجهه، لا يقدر يتحرك هكذا ولا هكذا إلا بجهد، وخلع ما كان عليه وأمر به فبيع، وأخذ ثمنه فتصدق به.
وكان إسحاق بن إبراهيم لا يقطع عنه خبره، وذلك أنه تركه -فيما حكي لنا- عند الإياس منه. وكان أبو إسحاق ندم بعد ذلك وأسقط في يده حتى صلح. وكان صاحب خبر إسحاق بن إبراهيم يأتينا في كل يوم يتعرف خبره، حتى صلح وبرئ بعد الصلاح وخرج إلى الصلاة والحمد للَّه رب العالمين. وبقيت يده وإبهاماه متخلعتين يضربان عليه إذا أصابهما البرد حتى نسخِّن له الماء، وصار سوط من الضرب في خاصرته فظنوا أنها قد نقبت فسلمه اللَّه من ذلك ورزقه العافية.
قال أبو علي: وجاء رجل من أهل السجن يقال له: أبو الصبح، ممن يبصر الضرب والجراحات، قال: قد رأيت مَنْ ضُرِب الضربَ العظيم، ما رأيت ضربًا مثل هذا، ولا أشد منه، وهذا ضرب التلف، ولقد جر عليه الجلادون -قدَّ اللَّه أيديهم- من قدامه ومن خلفه، وإنما أريد قتله. ثم سبره بالميل -يعني: قدره- مخافة أن تكون نقبت فلم تكن نقبت.
ورأيت أبا عبد اللَّه وقد أصابت أذنه ضربة فقطعت الجلد وأنتنت أذنه، وأصابت وجهه غير ضربة فما كان يضطرب.
قال أبو عبد اللَّه: وقال لي بعضهم: يا أبا عبد اللَّه، لا تتحرك وانتصب.