ولما أردنا علاجه خفنا أن يدس ابن أبي دؤاد إلى المعالج فيلقي في دوائه ما يقتله، فعملنا الدواء والمرهم في منزله وكان في بَرْنِيَّة (١) عندنا، فكان إذا جاء المعالج ليعالجه حضرنا جميعًا معه فيعالجه منها، فإذا فرغ رفعناها، وكان في ضربه شيء من اللحم قد مات، فقطعه بالسكين، فلم يزل أثر الضرب في ظهره إذا أصابه البرد ضرب عليه، فإذا آذاه الدم بعث إلى الحجام في أي ساعة كان، فيخرج الدم حتى يسكن عنه ضربان كتفيه، وكان يسخن له الماء الحار لبدنه.
قال جرير بن أحمد بن أبي دؤاد -عم أبي نصر- قال أبي: ما رأيت أشد قلبًا من هذا الرجل أحمد بن حنبل، جعلنا نكلمه، وجعل الخليفة يكلمه يسميه مرة ويكنيه: يا أحمد، يا أبا عبد اللَّه، وهو يقول: أوجدني شيئًا من كتاب اللَّه أو سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أجيبك.
قال جعفر بن عبد الواحد: ذاكرت المهتدي بشيء فقلت به: كان أحمد بن حنبل يقول، ولكنه كان يخالف -كأني أومأت إلى من مضى من آبائه.
قال: فقال لي المهتدي: رحم اللَّه أحمد بن حنبل، واللَّه لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرأت منه. قال: ثم قال: تكلم بالحق وقُل به، فإن الرجل ليتكلم بالحق فينبل في عيني.
"المحنة" لعبد الغني المقدسي ص ١٠٢ - ص ١٠٧
(١) بفتح الباء، وسكون الراء، وكسر النون، وتشديد الياء: إناء من الخزف "تهذيب اللغة" ١/ ٣٢٢، مادة (برن).