قال أبو علي حنبل: وبلغني أن أبا عبد اللَّه قال: لي ولهم موقف بين يدي اللَّه تعالى، وكتب بها إليه، فقال: يخلى سبيله الساعة.
قال: وبلغني أن أبا العلاء الأهتمي قال: ما رأيت أحدًا أشجع قلبا من أحمد بن حنبل.
وأخبرني أبي قال: قال لي بعض من حضر يومئذ: كان أحمد في دهره مثل صاحب بني إسرائيل في دهره. وكان هؤلاء يحتجون عليه، وهؤلاء يحتجون عليه، فيحتج على هؤلاء، ويحتج على هؤلاء بقلب ثابت وفهم، ليس ثم شيء ينكر.
وقال لهم أبو إسحاق: ليس هذا كما وصفتم لي. وذلك أنهم وضعوا من قدره عنده ونالوه وصغروه عنده، فلما شاهده ورأى ما عنده عرف له فضله.
قال أبو عبد اللَّه: لولا الخبيث ابن أبي دؤاد كان أبو إسحاق قد خلاني، ولكن هو وإسحاق بن إبراهيم قالا له: يا أمير المؤمنين، ليس من تدبير الخلافة أن تخالف خليفتين وتخلي سبيله. ولولا ذلك كان أبو إسحاق قد أراد تخليتي قبل الضرب. وقد أراد ابن أبي دؤاد أن يحبسني بعد الضرب، فقال أبو إسحاق: يخلى. فعاوده فغضب أبو إسحاق وقال: يخلى عنه. فلم أعلم إلا بالقيد وقد نزع عني.
وقال لي أبو إسحاق في اليوم الثالث حين أمر بضربي: أجبني إلى شيء يكون لك فيه بعض الفرج حتى أطلق عنك، وأطأ عقبك، وآتيك بأهلي وولدي وحشمي. وأراد بذلك أن يتشبث بشيء يكون له فيه عذر، فقلت له: ما أتيتموني ببيان من كتاب اللَّه، ولا من سنة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.