فلما قال اللَّه تعالى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء: ٢] فجمع بين ذكرين: ذكر اللَّه وذكر نبيه، فأما ذكر اللَّه إذا انفرد لم يجر عليه اسم الحدث ألم تسمع إلى قوله:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ}؟ ! وإذا انفرد ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنه جرى عليه اسم الحدث ألم تسمع إلى قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} [الصافات: ٩٦] فذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له عمل واللَّه له خالق محدث، والدلالة على أنه جمع بين ذكرين، لقوله:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنبياء إلا مبلغ ومذكر، وقال اللَّه:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: ٥٥] {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)} [الأعلى: ٩]{إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}[الغاشية: ٢١] فلما اجتمعوا في اسم الذكر جرى عليهم اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق، وكان أولى بالحدث من ذكر اللَّه الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث.
فوجدنا دلالة من قول اللَّه {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يعلم فعلمه اللَّه، فلما علمه اللَّه؛ كان ذلك محدثًا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ثم إن الجهم ادعى أمرًا آخر فقال: إنا وجدنا آية في كتاب اللَّه تدل على أن القرآن مخلوق.
فقلنا: أي آية؟ فقال: قول اللَّه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ}[النساء: ١٧١] وعيسى مخلوق.
فقلنا: إن اللَّه منعك الفهم في القرآن، عيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن؛ لأنه يسميه مولودًا وطفلًا وصبيًا وغلامًا يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي يجري عليه اسم الخطاب والوعد