للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وآثارها، وهو احتمال دلالة الأسماء الثلاثة على ملك واحد بدأ حكمه باسم نعرمر "وقام بما صورته له مناظره المنوه عنها في ص٧٤ - ٧٦"، ثم تلقب بلقب عحا أي المحارب اعتزازًا بجهوده الحربية في توطيد ملكه، كما تقلب أخيرًا بلقب منى، ربما بمعنى المثبت أو الراعي أو الخالد؛ تنويهًا بنجاحه في تثبيت ملكه ورعايته له وخلود اسمه فيه. ثم تتابع بعده ستة ملوك من أسرته عرفوا بأسماء: جر، وواجى، ودن، وعنجاب، وسمرخت، وقاي عا، مع مترادفات كثيرة لألقابهم لا تزال هي الأخرى موضعًا للجدل اللغوي والجدل التاريخي حتى الآن.

وتتابع بعد هؤلاء ملوك الأسرة الحاكمة الثانية، وكانوا ثمانية ملوك على أقل تقدير إن لم يكن أكثر اشتهروا على الترتيب بأسماء: حوتب سخموي، ونبي رع، وني نثر، وبر إبسن، وونج، وسنج، وخع سخم، وخع سخموي، وكان لكل اسم تعبيره الذي يدل به على شخصية صاحبه وعلى روح عصره١.

وسلك أوائل أولئك الفراعنة سياسة حكيمة في الربط بين الصعيد وبين الدلتا بعد اتحادهما، عن طريق المصاهرة وحسن السياسة وازدواج الألقاب والاشتراك في عبادة الأرباب. فتزوج أولهم "نعرمر" بإحدى سليلات البيت الحاكم القديم في الدلتا، وهي نيت حوتب، وتزوج رابعهم دن باميرة أخرى من الدلتا تدعى مربت نيت. وتمتعت كل من الملكتين بمكانة طيبة دلت عليها الآثار الباقية باسميهما من عهديهما، وربما تكرر الأمر نفسه بالنسبة لملوك آخرين وزوجاتهم. وسمح الفراعنة للوجه البحري بشخصية متميزة في إدارته تحت ظل التاجين، فخصصوا له بيت مال وحامل أختام وأهراء غلال ودار وثائق ... ، وانتسبوا إلى ربته الحامية "واجة" وإلى شعاره شاعر النحلة "بيت" جنبًا إلى جنب مع انتسابهم إلى ربة الصعيد "نخابة" وشعاره "سو". وشغف أغلبهم بإقامة الأعياد الدينية الملكية والتقليدية، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من مؤسسي الدول الجديدة؛ رغبة في اتخاذ مناسباتها سبيلًا لاكتساب الشهرة وتجميع الخواص حولهم وتذكير الناس بهم، مع إظهار تقواهم وكرمهم خلال احتفالهم بها. فرددت حولياتهم احتفاءهم بأعياد آلهة كثيرة مثلت أغلب مناطق دولتهم ورمزت إلى أغلب وجوه النشاط في عصرهم. وكان أهم أعيادهم الخاصة أعياد ارتقاء العرش وأعياد التجلي كل عامين٢. وأعياد ذكرى توحيد الوجهين. ثم عيد السد أو "حب سد" على حد تعبير المصريين، ربما بمعنى عيد النهاية، وكان من المفروض أن يحتفل الفرعونية بعد ثلاثين عامًا من بداية حكمه أو من بداية اختياره لولاية العهد٣، ويقيم فيه مراسيم وطقوسًا يشكر أربابه بها على ما وهبوه من طول العمر وطول الحكم، ويعتقد هو أو يعتقد رعاياه أنه يستطيع عن طريق هذه الطقوس والمراسيم أن يجدد بأسه ويستزيد من القدرة على مواصلة الحكم. وجرت العادة على أن يتحين الفرعون مناسبة هذا العيد ويقيم لأربابه معابد وهياكل جديدة ويقدم لهم تماثيل جديدة عساهم يحققوا أمله ويؤيدوا حكمه. ولم يكن الفراعنة يلتزمون بفترة الثلاثين عامًا دائمًا، وإنما كانوا يتحينون لإقامة هذا العيد فرصة كل نصر عظيم، أو خلاص من شدة خطيرة. وربما أعادوه أكثر من مرة طالما توافر لهم امتداد الحكم وسعة الإمكانيات.


١ راجع مناقشتنا لها في: حضارة مصر القديمة وآثارها – جـ١ – ص٢٥١ - ٢٥٨.
٢ Palermo Rt. II, ٩, III, ٣, IV, ٥, ٩; Urk. I, ٢٣٩; Breasted, Ancient Records, I, ٩٩, ١٠٥, ١١٤, ١١٦, ١١٩, ١٢١, Etc.
٣ K. Satbe, Untersuchungen, I, ١٠; Zaes, XXXVI, ٦٤.

<<  <   >  >>