كان من الطبيعي أن يتنافس الغزاة الأموريون والعيلاميون على السلطان في العراق، فاستمرت الحروب سجالًا بينهما، وسمح هذا التنافس الحربي لبعض مدن العراق القديمة بأن تستأنف سيرها الحضاري على غفلة من هؤلاء وهؤلاء، وشجعها على ذلك أن الأموريين أنفسهم احتضنوا الحضارة السومرية الأكدية في العاصمة "إسين" وسمحوا لها بالنمو في مدنها القديمة، ولم يصروا على إرغام هذه المدن على الانطواء معهم في وحدة سياسية دائمة على الرغم من تلقب ملوكهم باللقب العريض المألوف لقب "ملك سومر وأكد".
ويبدو أن العيلاميين "الإلاميين" اتخذوا من جانبهم خطوة مماثلة، فتركوا لمدينة "لارسا" استقلالها الذاتي، واكتفوا بأن ولوا عليها أمراء من بيتهم المالك، وحمل بعض أولئك الأمراء كنيات سامية مما قد يعني أنهم بدورهم قد اختلطوا بالساميين العراقيين وتعايشوا معهم. وإن ظلت الأطماع السياسية تلعب برءوسهم في مقابل أطماع الأموريين.
ومع هذه السياسة من الأموريين والعيلامين دلت نصوص هؤلاء وهؤلاء على اهتمام زعمائهم المقيمين في إسين ولارسا، بالعمائر الدينية القديمة، وذلك مثل تجديد زقورة أور في عهدي إشمي داجان ملك إسين وعهد وردسين ملك لارسا، وتعيين إشمي داجان ابنته إناناتم كبيرة لكاهنات ننا "أنو ننار" رب القمر السومري.
وكشف الأثري ليونارد وولي عن ضاحية سكينة لمدينة أور بلغ اتساعها نحو عشرة آلاف ياردة مربعة وشيدت مساكنها في عصر إسين - لارسا، وهي بيوت بنيت قواعدها من الآجر وأقيمت بقية جدرانها من اللبن، ولم تختلف فيما بينها إلا من حيت مساحاتها. فالمنزل المتسع منها كان ذا فناء داخلي مرصوف بقوالب الآجر يتلقى الضوء والهواء من كوة كبيرة بطنف السقف العلوي للطابق الأول، وتتفتح عليه غرف الجلوس وغرف الضيافة، وتتفرع منه ملحقات الدار الصغيرة، ويبدأ من إحدى زواياه الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي. وجرت العادة على أن تسكن الأسرة في هذا الطابق العلوي الذي تطل شرفاته الخشبية الداخلية على الفناء وتعتمد على أساطين خشبية أيضًا ترتكز قواعدها على أرضيته. وتميزت بعض المساكن بمقاصير للعبادة الخاصة، وتضمنت بعضها مقابر أهلها تحت مقاصيرها أو تحت أرضية إحدى حجراتها السفلية. أما الطرقات فكانت ضيقة غير مرصوفة تتناثر فيها هياكل العبادة الصغيرة التي لا يزيد بنيانها أحيانًا عن قاعة واحدة أو قاعتين١.
١ Antiquaries Journal, Vii, Pls. ٤١-٤٢; Xi “١٩٣١”, ٣٥٩ F