[الفصل التاسع: الدورة التاريخية الثالثة في الدولة الحديثة]
[تمهيد]
...
الفصل التاسع: الدورة التاريخية الثالثة في الدولة الحديثة ١٥٧٥ - ٩٥٠ق. م
[تمهيد]
شبه المؤرخ أرنولد توينبي مشاعر الأمة الناهضة في بداية نهضتها بعد نكستها، بأحاسيس شخص استغرق في سبات طويل وخمول فاتر، ثم استيقظ ليجد نفسه في قاع واد عميق قلت فيه عوامل الفزع ولكن قلت فيه في الوقت ذاته فرص الحركة ولذة النجاح، فالتلال قد حمت الوادي من جانبيه ولكنها حرمت ساكنه في الوقت نفسه من أن يمارس حرية السعي على مدى كبير وحرمته من أن يتطلع منها إلى ما وراء واديه، فبدأ من ثم يشعر بضيق شديد لم يكن يشعر به من قبل أن يسترد يقظته، ودفعه ضيقه الشديد إلى إعلان السخط والتحدي، وصحت عزيمته على أن يخاطر بنفسه ويخاطر بالأمن الزائف الذي يعيش فيه، ليتسلق جوانب الوادي الذي يحتويه ويعتلي التلال المحيطة به عله يشرف منها على عالم آخر جديد، ومنذ ذلك الحين بدأ يبذل المجهود ويقدر احتمالات السقوط ويعمل في الوقت نفسه على تلافي الهبوط، كما بدأ يحس بأخطار الصعود ويستعذب في الوقت ذاته لذة الطلوع، وأصبح كلما نجح في تسلق جانب من جوانب الوادي ازدادت ثقته بنفسه وبدأ يستعيد رضاه عن حياته. ثم استمر نجاحه بمجهوده يشجعه على أن يطلب المزيد وعلى أن يرجو لنفسه آفاقًا رحبة جديدة.
وكان ذلك هو شأن أهل طيبة بالفعل منذ بدءوا انتفاضتهم القوية في أواخر عصر الأسرة السابعة عشرة ليتخلصوا من حال التراخي ومظاهر الضعف وسوءاته، ومنذ استجابت مصر لهم ولبت دعوة الدم والتحرر وصحت عزائم أهلها على الجهاد ضد الهكسوس وعلى الإبلال من النكسة الطويلة التي أصيبوا بها تحت حكمهم، حتى أجلوهم عن أرضهم وأقصوهم عن حدودهم القريبة جهد الطاقة.
وكان أحمس بن سقننرع، آخر الحكام الثلاثة المجاهدين للهكسوس، نهاية جيل قديم وبداية جيل جديد، وبمعنى آخر كان ختامًا للأسرة السابعة عشرة ورأسًا للأسرة الثامنة عشرة في الوقت نفسه، وكان صدر عهده خاتمة لعصر الانتقال الثاني.، كما كان آخر عهده مبشرًا ببداية عصور الدولة الحديثة.
وقد بدأت الدولة الحديثة حوالي عام ١٥٧٥ق. م أو نحوه. بالأسرة الثامنة عشرة. وامتدت عصورها حتى عام ٩٥٠ أو ٩٤٥ق. م تقريبًا، حيث انتهت بنهاية عصر الأسرة الحادية والعشرين. أي أنها عمرت ستة قرون وربع قرن، حافظت مصر فيها على استقلالها الكامل دون شائبة تشوبه، واستطاعت خلال أربعة قرون منها أن تصبح كبرى دول الشرق القديم بفضل حضارتها المتطورة وبفضل قوتها الضاربة في آن واحد.