للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[استرجاع المركزية]

استمتع مونتو حوتب "نب حبة رع" بشيء من التقديس والإكبار عند معاصريه وخلفائه، حتى لقد رددوا شهرته بعد وفاته بقرون طويلة، سواء لشهرة معبده الفخم في غرب طيبة، أو تقديرًا لجهوده في إعادة وحدة البلاد. وسلكوا اسمه بناء على هذا الاعتبار الأخير في صف واحد بين اسم الفرعون "منى" وبين اسم الفرعون "أحمس"، الأول باعتباره رأس العصور التاريخية، وهو باعتباره رأس الدولة الوسطى، ثم أحمس باعتباره رأس الدولة الحديثة١.

ونهج الرجل في سياسة حكمه الداخلية منهاجًا مرسومًا، اتبعه بعض خلفائه من بعده، وحاول في هذا المنهاج أن يركز سلطان الحكم في عاصمته وأن يحد من سلطات حكام الأقاليم كلما تيسر الحد منها. ونجح هو وبعض خلفائه فيما أرادوه إلى حد كبير، فاختفى لقب "حاكم الإقليم العظيم" وغيره من النعوت الضخمة التي انتحلها حكام الأقاليم لأنفسهم خلال عصر اللامركزية الأولى٢، وندرت إقامة مقابرهم في أقاليمهم ونحتوا أغلبها حول مقابر فراعنتهم في غرب العاصمة طيبة تأكيدًا لتبعيتهم لهم والتفافهم حولهم.

وعبر عن سلطان الفراعنة وحكومتهم المركزية حينذاك قائد خرج لكسر شوكة جماعات من البدو، وانتصر عليهم، ثم سجل أخبار نصره على الصخر، ولكنه لم يرده إلى نفسه، ورده إلى فرعونه، قائلًا: "كان الخوف منه "أي من الفرعون" هو الذي جعلهم يخشونني، وكان سطوته هي التي جعلتهم يرهبونني، كما أن حب "الأرباب" له هو الذي جعل الأرضين تعشقانه"٣. وينم مثل هذا النص عن أن القادة والحكام ومن ساووهم عادوا يعتبرون أنفسهم مجرد موظفين ينفذون أوامر فرعونهم ويردون الأمر والفضل إليه، على نحو ما اعتاد أسلافهم في عصور المركزية القديمة. غير أنه يبدو أن ولاءهم للفراعنة لم يمنع أصحاب الشخصيات القوية منهم من أن يرددوا لأنفسهم آيات نجاحهم في مناصبهم ويفخروا بجهودهم في إصلاح أحوال أقاليمهم تحت طاعة فراعنتهم، ومن هذا الفريق رجل يدعى "إتي"، لم يكن أكثر من مساعد لأحد رؤساء بيت المال، ولكنه وصف نفسه بأنه مواطن كفء، يعمل بساعده، وأضاف أنه كان يعتبر سندًا في إقليم طيبة، وأنه أحيا منطقة الجبلين في سنوات قل الخير فيها وتعطل فيها أربعمائة رجل. وأكد أن نفسه أبت عليه أن يستغل ابنة فقير أو يغتصب أرضه، وأنه استطاع أن يجهز عشرة قطعان من الماعز وقطيعين من الماشية وقطيعًا من الحمير، ثم خصص عددًا من الرجال لكل قطيع .. ، وجهز ثلاثين مركبًا، وثلاثين أخرى، وسد كفاية الجبلين بالغلال، وأفاض ما بقي من غلاله على منطقة إسنا ومنطقة الحية .. ، ثم أشار على أنه تبع مولاه الكبير ومولاه الصغير. ولم ينس بعد ذلك دنياه، فأضاف أنه ابتنى لنفسه دارًا فاخرة زودها بكل شيء ثمين، وأنه على الرغم من ثرائه ظل الناس يؤكدون أنه بريء من الرشا والاغتصاب، وكان بذلك مثلًا طيبًا لمثل طبقته في عصره٤.


١ See, Sauneron, Chr. D'egyptr, ١٩٥١, ٤٦ F.
٢ دريوتون وفاندييه: مصر – مترجم بالقاهرة – ص٢٧١، ٢٨٠.
٣ Gardiner, Jea, Iv, ٣٥ F.
٤ Ancienl Records, I, ٤٥٩.

<<  <   >  >>