أعقبت حضارتي الدهر الحجري القديم الأسفل، حضارة الدهر الحجري القديم الأوسط، وهذه نكتفي بأن نذكر عن خصائصها هي الأخرى أن مناطق الشرق الأدنى عاشت في أغلب دهرها في ظل حقب مطيرة طويلة، وإن تكن أقل أمدًا واتصالًا من الحقب المطيرة التي سبقتها خلال الدهر الحجر القديم الأسفل. وأن الاصطلاح العلمي جرى على تسمية الأدوات الشائعة في أجزاء العالم المعمور خلالها باسم الأدوات الموستيرية "نسبة إلى أدوات كهف موستييه في فرنسا". وقد ميزها توسع أصحابها في صناعة كان أهل الدهر السابق قد بدءوا بها، وقامت على أساس استخدام الشظايا التي تنفصل عن جوانب الفهر حين صناعته. وقد زادت مهارتهم في فصلها بعناية وسهولة وتشكيلها بأشكال مختلفة، بحيث إذا حددوا جانبي الشظية استخدموها استخدام المدية، وإذا حددوا أحد جانبيها استخدموها استخدام المبشر أو المكشط، وإذا دببوا أحد طرفيها استخدموها استخدام المثقاب أو المخراز. وعلى الرغم من شيوع الخصائص العامة لهذه الصناعات الحجرية في أغلب المناطق المعمورة من العالم القديم، دون تغيير كبير، إلا أن بعض جهات الشرق الأدنى استطاعت أن تنحو بصناعتها الحجرية المتواضعة نحو التخصص، ومنها مصر التي نهج بعض أهلها نهجًا إقليميًّا في صناعة النصال والأفهار "الليفلوازية" مم ميز بعض الشيء بين إنتاجهم المتواضع منها وبين إنتاج الأدوات والشظايا الموستيرية العامة الشائعة عند من سواهم من أهل العالم القديم١.
١ Sh. Beuil, L’afrique Prehistorique, ١٩٣١, ٧١,; S. Huzayyin, Bull. Soc. De Geogr. D’egypt, Xx, ٢١٠f.; E. Massoulard, Prehistoire Et Protohistoire D’egypt, ١٩٤٩, ١٣.