استفادت الحضارة البابلية من مخلفات السومريين اللغوية والأدبية، على نحو ما استفادت من تراثهم التشريعي. وكان أصحابها أسعد حظًّا من أسلافهم الأكديين أصحاب الثقافة السامية القديمة، فالأكديون كانوا ينحتون في الصخر عندما كتبوا لغتهم السامية بالكتابة المسمارية، وهذا لم يترك لهم مجالًا واسعًا للخروج بأدب سامي متميز، أما البابليون فقد وجدوا الأرض ممهدة بمجهودات سومرية وسامية خليطة، وعملوا من ناحيتهم على إدخال علامات جديدة في الكتابة المسمارية للتعبير عن أصوات لم تكن متميزة، ومنها التعبير بعلامتين متمايزتين عن كل من الجيم والقاف، وبدءوا في تصنيف قوائم لغوية تجمع بين كلمات سومرية قديمة ومترادفاتها السامية. وعمل كتبتهم على تسجيل أسماء الحيوانات والنباتات في قوائم متصلة، وسجلوا بعض القصص والأساطير السومرية والسامية الكبيرة بأسلوبهم الخاص.
أساطير نشأة الوجود:
انتفع البابليون ببعض عناصر الفكر السومري عن أصول الخلق المادي والمعنوي في دنياهم، وخرجوا بنطرية عن نشأة الوجود جعلوا ربهم مردوك قطب الدائرة فيها، ونافسوا بها نظريات السومريين أنفسهم، وضمنوها ما تواتر إليهم عن نشأة الحضارة الاولى عند مجمع البحرين، وما سبقها من خواء وعماء ووحشية وما صاحبها من تحديات مضنية في سبيل التغلب على أخطار البحر والتحكم في جبروت النهر، وفي سبيل التحول من الركود إلى النشاط، ومن الفوضى إلى الاستقرار، وضمنوها ما تواتر إليهم عن فاعلية البحر القديم، ووجود نوع من الشورى بين أصحاب الرأي القدماء حتى إذا ما اتفق رأيهم على زعيم أسلموا له أمرهم وعهدوا إليه بمقدراتهم.
وخرجت النظرية مهوشة مطولة يكثر فيها التكرر وتتعدد فيها الأسماء، كالعادة. ولكن يمكن الخروج من عناصرها المهذبة، بأنهم ردوا أصول الأشياء إلى ماء أزلي اختلط عذبه بمالحه، ومثل العذوبة فيه آبسو وهو مذكر، ومثلت الملوحة فيه تيامة وهو أنثى. وعنونوا نظريتهم بمقطعها الأول الذي يقول "إنوما إليش" بمعنى "حينما في العلا". واسترسلت الفقرة الأولى منها قائلة:"حينما في العلا لم يكن للسماء ذكر، وفي الدنا لم يكن للأرض اسم، ولم يكن من شيء غير آبسو والدهم وتيامة أمهم". وافترضت النظرية نشأة أجيال الأرباب في جوف ماء البحر "تيامة" جيلًا بعد جيل، وكان كل جيل منهم يفوق من سبقه، حتى انعقدت ألوية الحكمة بينهم للإله "إيا" الملقب بلقب "نوديمو". ولكن حكمة أولئك الأرباب لم تخل دون شدة صخبهم وسعيهم إلى التبديل والتغيير، الأمر الذي أقلق أباهم آبسو وجعله يهم بالقضاء عليهم، رغم معارضة أمهم تيامة التي قالت "وكيف نقضي على من خلقناهم بأنفسها؟ وإن مسلكهم معيب حقًّا ولكنه شيء متوقع". ثم ألقى "إيا" النعاس على آبسو وقتله وأفناه في نفسه وبنى بيته فيما كان يشغله "إي - آبسو" وعاش فيه هو وزوجته، وأنجبا ولدهما "مردوك" الذي فاقت قدرته كل الحدود، وهنا عاودت تيامة ذكرى زوجها