المضحى به، وانقلبت على أحفادها، وسلطت عليهم الكواسر والزواحف والمخاوف. واستعانت عليهم بإله قديم يدعى "كنجو"، أغرته بنفسها وعهدت إليه بألواح القدر. وعجز الأرباب متفرقين ومجتمعين أمام هذين الحليفين، سواء بالمداهنة أم بالعنف، حتى تخيروا من بينهم "مردوك" وفوضوه السلطة المطلقة وخلعوا عليه قدراتهم وأسرار أسمائهم وارتضوه ملكًا عليهم. وقد تعدد لقاؤه مع تيامة بالسحر تراة وبالحرب أخرى، حتى تصيدها بشبكة وأطلق عليها ريح السموم فملأت جوفها ونفختها، فقيدها وذبحها، واندار على حليفها كنجو واسترد منه ألواح القدر وختمها بخاتمه واستودعها في مكنون صدره. ثم عاد إلى تيامة فبقرها وقسمها نصفين، مثل نصفي صدفة البحر، وجعل نصفها الأعلى سماء ونصفها الأسفل أرضًا، وعين في السماء حرسًا ونظم ماءها وعين مواضع الأرباب فيها. وأرسى الأرض وجبالها والدجلة والفرات وفجر العيون والينابيع١.
توسع البابليون فيما روته الأساطير السومرية عن خلق الإنسان وعلاقته بأربابه في بداية الخلق والنشأة، وضمنته في قصة أتراخاسيس الذي قد يعني اسمه معنى "فائق الإدراك "أو الحكمة"، ويفهم منها أن عالم السماء والأض كان قاصرًا على طوائف الأرباب بمراتبهم، حيث وقع غرم العمل في إصلاح الأرض وزراعتها لإعالة الجميع على أكتاف طائفة منهم تسمى إججي، حتى ناءت هذه الطائفة بمشقة العمل أربعين عامًا. ثم جمعت أمرها وحملت المشاعل وتظاهرت معلنة احتجاجها أمام قصر الإله الأعظم إنليل. واستفتى إنليل بطانته من مجمع الأرباب، واستقر رأيهم على خلق الإنسان كي يحمل النير عوضًا عنهم ويخدم الآلهة ويكد من أجل إقامة معابدها وتوحيد قرابينها.
وعملًا بمشورة إبا رب الحكمة، عهد الآلهة إلى الربة الأم ننتو التي لقبت بلقب مامي "أو ماما" بأن تخلق الإنسان الأول "لوللو" وأعانها الرب إيا فأعد لها الطين النقي الطاهر ومارس عددًا من الشعائر حين إعداده - ولأمر ما ذبح الآلهة في هذه المناسبة واحدًا منهم يدعى وإيلا ربما لشخصيته كما روت القصة، أو لأنه كان أشدهم ذنبًا في تحريض طائفة الإججي على العصيان كما روت قصة سومرية عن ذبيحها كنجو، وتفلت ننتو على الطين ومزجته بلحم الضحية ودمه، وعاونها إيا، وشكلت من الطين سبعة ذكور وسبع إناث، وقدرت تسعة شهور لحمل الإناث. وبين دقات الطبول وقراءة التعاويذ خرج الإنسان الحي، وأتاها الأرباب يقبلون قدميها عرفانًا بجميلها، واستحقت أن توصف لذلك بسيدة الآلهة "بليت إيلي".
وانقضى بعد ذلك ألف ومائتان من الأعوام تكاثر الناس فيها، واشتد صخبهم حتى ضاق إنليل بضجيجهم فأمر نمتار بأن يبتليهم بالأوبئة والأوجاع ليقلل أعدادهم، ولم ينقذهم من الفناء غير الرب إيا وفائق الحكمة
١ Lapat, Le Poeme Babylonien De La Creation, ١٩٣٥; A. Heidel, The Babylonian Genesis, ١٩٤٢; E. A. Speiser, Anet, ٦٠ F.; A.K. Grayson, Ibid., ٥٠١ F.