للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل السادس عشر عصر الإحياء السومري "منذ ٢١٢٥ق. م."]

[في لجش]

استغلت لجش في نهضتها مسالك التجارة القديمة استغلالًا واسعًا لصالحها، وكان خير عهودها عهد ملكها التقي جوديا، قبيل أوائل القرن الحادي والعشرين ق. م أو أواسطه، وكان رجلًا اعتز أو اكتفى في أغلب نصوصه بلقب، "إنسي" القديم الذي تلقب به حكام لجش في عهود تبعيتهم للدولة الأكدية، وفي عهود سيطرة الجوتيين، ولكنه استعاض عن الانتساب إليهم في لقبه بالانتساب إلى سيادة ربه نين جيرسو الذي اعتبره ملكه واعتبر نفسه إنسيا له، ثم نعتته نصوص عهده بلقب "الراعي"، وقال في نقوش أحد تماثيله "أنا الراعي حبيب ملكه "نين جيرسو" طال عمري"١.

ولم تذكر نقوش جوديا الحرب غير مرة واحدة مع دولة أنشان. ولكن حملت قوافل التجارة شهرته وسجلت اسمه في شمال سوريا وفي عيلام والبحرين وعمان. واحتفظت له أرض لجش بأكثر من ستة عشر تمثالًا وجزءًَا من تمثال نحت أغلبها من أحجار الديوريت، وقد تفرقت بعد الكشف عنها في متاحف العراق واللوفر والمتحف البريطاني٢. وأخذت هذه التماثيل بالأسلوب الواقعي الذي بدأ نضوجه من قبل خلال العصر الأكدي، وعبرت بخطوطها المرنة عن الجنس السومري ذي الرأس العريضة، وغلبت على ملامح صاحبها وهيئاته روح التقوى والتواضع الكريم، ويبدو أن اعتبار أهل عصره نكبة الجوتيين على أرضهم غضبًا من الأرباب كان له أثره في تغليب روح التقوى في حياتهم إبان سعيهم للتخلص من غزاتهم٣.

وأظهرت تماثيل جوديا صاحبها جالسًا وواقفًا على هيئة المتعبد، في أحجام تقل عن حجمه الطبيعي "فيما خلا واحد منها"، وأعوزت الجالسة منها سلامة النسب بين الجذع العلوي والجذع السفلي، وبين الرأس والرقبة، ولكنها لم تخل على الرغم من ذلك من حيوية أضافها عليها صدق تمثيل ملامح وجهه العريض الحليق، وتفاصيل حاجبيه الكثيفين واتساع ما بين أنفه وشفته وامتلاء ذقنه وبروزها، وتفاصيل عمامته "أو قلنسوته" الصوفية الواسعة ذات الخصل، وبساطة ثيابه ورقة أطرافها الموشاة التي عبر الفنان عنها بتموجات خفيفة وخطوط مرسلة وزوايا منفرجة. وتخلصت بعض تماثيله الواقفة الصغيرة المنحوتة من حجر الديوريت وحجر الحية "السربنتين" من قلة التناسب بين أجزائها، وجنبته تصلب الهيئة ومثلته في وضع


١ See, A. Parrot, Tello, Vingt Compagnes De Fouilles "١٨٨٧-١٩٣٣", Paris, ١٩٤٨ Pl.L,
٢ Ibid.
٣ Frankfort, The Art And Architecture..., ٤٧.

<<  <   >  >>