لعل أوضح ما يذكر للنشاط الاقتصادي خلال النصف الثاني من هذه العصر هو استعادة الاستثمار الواسع لموارد الصحراوين الشرقية والغربية واستعادة الاتصال الواسع ببلاد النوبة وبلاد بوينة. وبدأ هذا الاتجاه بمحاولة توطيد الأمن في السبل المؤدية إلى البحر الأحمر عبر الصحراء الشرقية، ومحاولة تعميرها، وإعادة استغلال محاجرها "الجرانيتية" ومناجمها لصالح الدولة وصالح مشروعات الفرعون. ويبدو أن ذلك لم يكن بالأمر الهين، إذ تحدثت نصوص العصر عن بعثتين كبيرتين، لا زال الباحثون على خلاف في أيهما سبقت الأخرى. وقد خرجت إحداهما في عهد مونتوحوتب "نب تاوي رع" في عشرة آلاف رجل بين مدنيين وعسكريين، وترأسها وزير يدعى "أمنمحات" فوطدت الأمن في وادي الحمامات وعمرت بعض مواطنه القديمة المهجورة، ويحتمل أنه كان من هذه المواطن ميناء وادي جواسيس قرب القصير الحالية، ثم أعادت استغلال محاجره. وقد يكون عدد العشرة الآلاف هذا عددًا مبالغًا فيه ولكنه ينم على أية حال عن أن أصحابه كانوا في خلق كثير. وقص الوزير أمنمحات رئيس البعثة في النقوش التي سجلها باسم فرعونه نب تاوي رع أن معجزتين حدثتا خلال قيام رجاله بقطع تابوت الفرعون وغطائه من محاجر وادي الحمامات، وروى في المعجزة الأولى أن غزالة حبلى قصدت معسكر رجاله واتجهت إليه وهي تتلفت خلفها دون اضطراب أو استغراب، ثم استقرت في مكانه بعينه ووضعت وليدها فيه، فاعتبرها الرجال معجزة تنبههم إلى الموضع المناسب الذي ينبغي أن يقطعوا حجر تابوت فرعونهم منه، توهموا فيما بينهم أن حيوانات البراري نفسها لم تكن تأبى أن تسعى إلى فرعونهم ومن أجل صالحه.
وروى أمنمحات أن المعجزة الثانية حدثت بعد المعجزة الأولى بثمانية أيام، وكان قد عز على رجاله أن يعثروا على موارد الماء في مسالك الصحراء والجبال، وأوشكوا أن ييأسوا من مسعاهم، ولكن حدث فجأة أن تجلت كرامة الإله مين رب الصحراء الشرقية، وتجلت مكانة الفرعون عنده، فهطل المطر مدرارًا، واستحال حضن الجبل إلى بحيرة، وانكشفت فوهة بئر بلغ عمقه في قاع الوادي عشرة أذرع