عثر في جزيرة آبو، أي في جزيرة إلفنتين "أو إلفانتيني" في أسوان، على عدة وثائق آرامية أرجع أغلبها إلى أواسط القرن الخامس ق. م، ولقيت اهتمامًا واسعًا من الباحثين في الساميات ومن الباحثين اليهود بخاصة لترجمتها والتعقيب عليها١. وصورت هذه الوثائق جوانب من حياة عدة أقليات أجنبية ضمت آراميين ويهود وسوريين وفي بعض الأحيان إغريق وإيجيين، ثم بابليين وخوارزميين وماذيين وفرس، عاشوا أعدادًا محدودة في وسط العدد الأكبر من مواطني المنطقة المصريين. ولم تكن موارد أسوان المتواضعة تتيح لأولئك الأجانب استغلالًا اقتصاديًّا كبيرًا، ولهذا اكتفى أغلبهم بحرفة الجنود المرتزقة في حصون أسوان التي مثلت همزة الوصل بين أقاليم مصر الجنوبية وبين النوبة وما ورائها، في فترات السلم وفترات الحروب على حد سواء.
وذكرت الوثائق الآرامية من مسميات التنظيمات العسكرية التي انضوت تحتها هذه الجماعات، الاسم الآرامي "حيلا" بمعنى حامية أو فرقة كبيرة، واسم "دجل" بمعنى وحدة أو معسكر، وإن دل أحيانًا على معنى اللواء أي العلم، وكان كل منهما يضم المجندين وأسرهم، ثم تعبير المائة ليدل على سرية بنفس العدد.
وحظيت أوضاع الجالية اليهودية بالاهتمام الأوسع من الدراسة والتعقيب، وتركزت هذه الجالية في جزيرة إلفنتين، وإلى حد ما في سونو أي في مدينة أسوان، وكان منهم عسكريون ومدنيون. وغالبًا ما وصف العسكريون منهم بأنهم بعول دجل أي أفراد الوحدة أو المعسكر، ووصف المدنيون منهم بأنهم بعول قرية أي أفراد القرية. وقد يوصف بعضهم بالصفتين، أو ينتمون إلى دجلين أي وحدتين، أو ينسبون إلى مقر إقامتهم فيقال بعول آبو، وبعول سونو.
وتعددت وجهات النظر في ظروف اتجاه هذه الجالية اليهودية إلى أسوان، وتوقيت بداية سكناها فيها وانضمامها إلى معسكراتها. وربطت بعض الآراء بين لجوئهم إلى مصر وبين أحداث التاريخ اليهودي في فلسطين خلال القرنين السابع والسادس ق. م. فقد أدت مراحل النزاع بين يهود إسرائيل وبين يهود يهوذا، ثم بينهم جميعًا وبين الآشوريين، إلى نزوح جماعات من هؤلاء وهؤلاء إلى أماكن قصية يلتمسون الأمن فيها. ولعل مصر الغنية القريبة من فلسطين كانت الملجأ المغري للبعض منهم، وقد سبق ذكر المرات التي وقفت مصر فيها سندًا لليهود ضد الآشوريين، حين تدخلت في عهد تاف نخت لنجدة السامرة ضد جيش شلما نصر الخامس، ثم في عهد شبتكو وطاهرقه لنجدة أورشليم ضد جيش سينا خريب.