وبدأ المرحلة الأولى أداد نيراري كما ذكرنا، ولم يتجه فيها إلى فتوح بعيدة، وإنما عمل على تثبيت قواعد حكمه واسترجاع الإشراف الفعلي لدولته على تخومها الغربية حول نهري الفرات والخابور، وإشعار أهل هذه التخوم، والآراميين منهم بخاصة، بسلطانه. ثم اتجه إلى تأمين حدوده الجنوبية، ولما تعارض سلطانه فيها مع سلطان بابل العجوز حاربها مرتين وغلبتها جيوشه في المرتين، وأتى نصره عليها بمعاهدة حدودية اعترفت بسيادته على أرض السواد من الخابور في الغرب إلى ما يجاور بغداد الحالية في الجنوب الشرقي.
وسار خلفه توكلتي نينورتا الثاني "٨٩٠ - ٨٨٤ق. م" الذي تميزت حوليات حروبه بما ذكرته من التفاصيل اليومية، على سياسته في إرهاب الآراميين، فكان من ضحاياهم في عهده قبيلة "بيت زماني" التي اتخذت أميدي حاضرة لها "وهي ديار بكر الحالية". وتتبعت جيوشه قبائلهم الجنوبية في وسط العراق وفيما بين دور كوريجالزو "عند أبواب بابل" حتى سيبار١، ثم اتجهت حروبه إلى الشمال بغية إرهاب الجماعات الجبلية والوصول إلى حدود يسهل احتلالها أو يسهل الدفاع عنها حسب مقتضيات الظروف.
ومنذ ذلك الحين اتجهت سياسة آشور إلى مثل ما سنه لها تيجلات بيليسر ابتداء من عصرها الوسيط من حيث توطيد سلطان الدولة على حدودها الغربية وإرهاب بابل من حين إلى آخر، وإخضاع القبائل الجبلية في الشمال الشرقي، ومحاولة السيطرة الكاملة على الطرق التجارية والحربية التي تتجه غربًا إلى الشام حيث المجد وحيث وفرة المنتجات وحيث المخارج البحرية. وشمالًا بغرب إلى جبال طوروس وآسيا الصغرى، مع محاولة إضعاف الفروع الآرامية الغربي التي استمرت في شرق سوريا وفي أوساطها وامتد نفوذها إلى موانيها البحرية.
وتميز من كبار القائمين على تنفيذ هذه السياسة في آشور ملكها آشور ناصربال الثاني "٨٣٣ - ٨٥٩ق. م" وكان من وجهة نظر المصالح الآشورية أعظم شخصية ضارية وضاربة في المرحلة الأولى من عصرها الحديث.