بدأت عزمات التحرر من إقليم طيبة في أقصى الصعيد، وكان قد تمتع بنوع من الاستقلال الذاتي وعلقت بأذهان أهله أمجادهم القديمة في الدولة الوسطى، ثم استطاع حكامه أن يمدوا نفوذهم حتى أبيدوس، وأزاحوا نفوذ الهكسوس إلى الشمال حتى حدود القوصية، واعتبروا أنفسهم الخلفاء المباشرين لملوك الدولة الوسطى. وعرفت أسرتهم باسم الأسرة السابعة عشرة الوطنية وعاصرت أواخر ملوك الهكسوس. ولم تكن مهمة الإحياء التي تكفلوا بها مهمة هينة، فبدءوا بها على حذر اتقاء إثارة الهكسوس ضدهم قبل استكمال استعدادهم. وندع خطواتهم الأولى، مراعاة للإيجاز، ونكتفي بجهاد المصريين تحت راية الثلاثة الأخيرين منهم، وهم القادة الملوك: سقننرع وولداه كامس وأحمس. وقد صورت طرفًا من انتفاضتهم بردية كتبها طالب مصري يدعى "بنتاورة"، خلال القرن الثالث عشر ق. م، أي بعد خروج الهكسوس بنحو ثلاثة قرون١، وبما يعني أن أخبار الأحداث القومية الرئيسية لم تكن تنمحي من أوساط المثقفين مهما طال الأمد عليها. وروت البردية في مستهل حديثها أن أرض مصر كانت تئن تحت وطأة الوباء، وأنه لم يكن فيها سيد يعتبر ملك زمانه، فبينما حكم الملك سقننرع "تاعا قن" في مدينة طيبة "الجنوبية" حل الوباء في مدينة العامو "الهكسوس"، وبمعنى آخر استقر الملك إببي "ملك الهكسوس" في حة وعرة. وأضافت البردية أن إببي هذا تعصب للمعبود سوتيخ "ست"، ولم يقدر ربًّا سواه، وأقام له معبدًا عظيم الشأن بجانب قصره، وكان يبكر يوميًّا في تقديم القرابين إليه، واعتاد رجال حاشيته على أن يحملوا إليه باقات الزهور، تقليدًا لما كان يجري في معبد با رع حر آختي "المعبود المصري". وذلك على حين ناصر سقننرع ملك طيبة الإله آمون رع واستنصره واعتبره كبير الأرباب.
ولم يقتصر الأمر حين ذاك على اختلاف المذهبين، وإنما كانت وراءه ترتيبات مصرية مستترة عمل إببي ملك الهكسوس في سبيل وأدها على أن يستفز الملك المصري سقننرع إلى حرب صريحة قبل أن يستكمل عدته لها، فجمع كتبته وحكماءه كما روت البردية، وشاورهم في الأمر، فأوحوا إليه بحيلة ماكرة عقبوا عليها بقولهم "ولسوف نرى إذن قدرة ربه الذي يحتمي به، وهو الذي لا يعتمد على إله غير آمون رع ملك الأرباب". واتبع إببي مشورتهم فأوفد رسولًا إلى سقننرع، يقول له:"أسكتوا أفرس الماء في البحيرة الشرقية بطيبة فضجيجها يحرمني النوم في نهاري وليلي، وأصواتها تطن في مسامع مدينتي".
وأغلب الظن أن إببي المقيم في شمال شرق الدلتا، كان يعني بضجيج أفراس النهر بطيبة في أقصى الصعيد نشاط سقننرع ورجاله واستعداداتهم العسكرية، وقد تعمد أن يلمزهم ويستثيرهم ويقلل من شأنهم، ولكنه كشف عن هم الليل والنهار الذي لحقه منهم من حيث لا يدري. وأضافت البردية أن سقننرع عامل الرسول كما تنبغي معاملة الرسل، فأكرمه وهاداه، ثم جمع كبار رجاله ورؤساء جيشه وبدأ يشاورهم
١ Pap. Sallier, I, ١, I F.; Gardiner And Gunn, Jea, V, ٤٠ F.; Gardiner, Late Egyptian Stories, ١٩٣٢, ٨٥ F.; Mdaik. ١٩٦٥, ٦٢ F.