للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المواطن التي وفد الهكسوس منها على مصر، وهي جنوب الشام، وقربها من الطريق التجاري البري الذي يصل بين مصر وبين الشام. وحصن الهكسوس عاصمتهم الجديدة تحصينًا شديدًا، وزودوها بحامية كبيرة العدد؛ إتقاء ثورات المصريين، وإتقاء للهجرات المحتملة الجديدة التي تخوفوا أن يقوم بها أبناء عمومتهم الآريون أو الأموريون. ووجد الهكسوس في معبود هذه المدينة "ست" شبهًا بمعبودهم القومي، إن في الشكل أو في الصفات، فمزجوا بينهما وعبدوا كلًّا منهما في شخص الآخر.

وندع مناقشة تتابع ملوك الهكسوس وعلاقات بعضهم ببعض خلال ما يسمى باسم عهود الأسرات الخامسة عشرة والسادسة عشرة وجزء من السابعة عشرة لكتابنا الثاني عن حضارة مصر القديمة وآثارها. ونكتفي هنا بالملامح الرئيسة لهذه العهود، التي يحتمل من بردية تورين أنها شغلت مائة عام وثمانية أو ما هو أقل من ذلك بكثير١. ومن هذه الملامح أنهم جمعوا بين أسمائهم الأجنبية مثل خيان وإببي، وبين أسماء مصرية خالصة مثل سوسرنرع، وعاوسر رع، وأنهم تشبهوا بالفراعنة المصريين الوطنيين في ألقابهم ملابسهم وهيئات تماثيلهم، وادعوا التقرب من الأرباب المصريين وسجلوا أسماءهم على معابدهم. ويمكن أن يفهم من ذلك كله أنهم مع استحواذهم على السلطة العليا حاولوا أن يتمصروا ويتخذوا مصر موطنًا ودار إقامة دائمة، ولم يعتبروها دولة تابعة، وحاولوا أن يموهوا على أهلها ويوحوا إليهم بنسيان غرابة أصلهم وقسوة غزوهم لأرضهم. وعثر لبعض هؤلاء الملوك على آثار قليلة في جنوب فلسطين، وفي كرما في النوبة بل وفي كريت وفي بغداد أيضًا٢. وتم ذلك فيما يغلب على الظن عن طريق التجارة والتبادل، دون الغزو وبسط النفوذ كما ذهبت آراء قديمة تخيلت للهكسوس إمبراطورية متسعة ذات نشاط في البر وفي البحر معًا.

وارتبط بأذواق عصر الهكسوس شيوع أنواع متواضعة من المشابك والحلي، وزخارف الجعلان والأختام. وزخارف الفخار الملون والمشكل على هيئة الطير، وظهور وحدة جديدة للموازين، فضلًا عما ارتبط بوجودهم من انتشار الخيول وعربات الحرب والدروع والسيوف المقوسة والأقواس المركبة. ولكن لوحظ أن النماذج الباقية من آثارهم صغيرة قليلة، وأن عصرهم في مجمله لم يترك أثرًا ذا بال في تطوير فنون النحت والنقش وهندسة العمارة، وذلك إلى الحد الذي تطابقت معه الروح الفنية لآثار العهود الأخيرة من الدولة الوسطى، التي سبقت دخول الهكسوس، مع الروح الفنية لآثار أوائل عهود الدولة الحديثة التي أعقبت خروجهم من مصر. وعلى نحو ما عجز الهكسوس عن إضافة شيء جديد إلى الحياة الفنية، عجزوا كذلك عن تبديل تقاليد مصر الروحية واللغوية والدينية، فظلت كما هي، وحدث على العكس أن تأثروا هم بها وتطبعوا بها، وإن لم يمنع هذا من الاعتراف بأنهم جعلوا جنسهم يمثل الطبقة العليا أو يمثل جزءًا منها على أقل تقدير.


١ See. H. Stock, Op. Cit.; Saeve Soderbergh, Jea, XXXVII, ٦٢ F.; Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, ١٥٨ F.
٢ Catalogue Of The British Museum, No. ٩٨٧; Budge..., No. ٣٤٠; Evans, The Palace Of Minas, ٤١٩, Fig ٣٠٤ B.
جون ولسون: المرجع السابق -٢٦٩

<<  <   >  >>