ذكرنا أن إمكانيات ومجالات العمارة والنحت والتصوير والنقش اختلفت في عهود اللامركزية عما كانت عليه في الدولة القديمة، بعد أن تفرقت موارد البلاد وإمكانيات الحكام، فضعفت وحدة الفن القديمة وأصبح الفن يخدم الأقاليم أكثر مما يخدم العاصمة، وظل رجاله تنقصهم المهارة وروح الإبداع فترات طويلة، واستمر أغلب إنتاجهم يتصف بالطابع الإقليمي تارة والطابع الريفي تارة أخرى، وتعتبر توابيت عصر الانتقال أول من خير ما يستشهد به من آثاره سواء من حيث النواحي الفنية التي تمثلت فيها وعبرت بها عن روح عصرها، أم من حيث النصوص التي تضمنتها وعبرت بها عن عقائد أصحابها. وكان فنانو العواصم وصناعها المهرة قد فضلوا صناعة توابيت كبار الأفراد من الخشب الفاخر منذ عصر الأسرة السادسة. وأصبحوا ينقشون عليها دعوات بأسماء أصحابها وألقابهم، ويصورون عينين كبيرتين على الجانب الأيمن الخارجي للتابوت في مقابل رأس المتوفى أملًا في أن يتطلع منهما على العالم الخارجي أو إلى مقدمي القرابين وإلى نور الشمس الذي كان يرجو ألا يحرم منه حتى بعد موته. وصوروا عليها بعض القرابين وبعض المتاع الذي كان المتوفى يتمناه لنفسه في أخراه. وزادت هذه الخصائص في توابيت عصر الانتقال الأول، وكانت صناعتها من الخشب تجعلها أصلح للرسم والنقش الغائر البسيط، وتجعلها أقرب إلى أن تتناسب مع إمكانيات أهل الطبقة الوسطى. وكان من الطبيعي أن تختلف أذواقها وبراعة نقوشها ووضوح نصوصها من إقليم إلى إقليم، وكان أفضلها ما تم خلال العصر الأهناسي، لا سيما منذ تطلع حكامه إلى العاصمة القديمة منف واتجه فنانوهم إليها وحاولوا أن يستوحوا فنها القديم ويقلدوه في حدود إمكانياتهم ومعتقداتهم