للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[خامسا: ابتسامة مبتسرة في عصور الأسرات ٢٨ - ٣٠]

[مدخل]

...

خامسًا: ابتسامة مبتسرة في عصور الأسرات ٢٨ - ٣٠ "٤٠٤ - ٣٤٣ق. م."

ماع الموقف لبعض الوقت فيم بين الفرس وبين المصريين منذ منتصف القرن الخامس ق. م، وزار مصر حينذاك أبو التاريخ هيرودوت وأشاد بمجدها، ومع أن مجدها ذاك لم يكن غير ظل باهت ضئيل لمجدها القديم، واعترف في الوقت نفسه بتعدد طوائفها ووجود الفوارق بين طبقاتها وانشغال الناس بالخرافات التي ألبست ثوب الدين واتصلت بحيوانات أربابه، مما لم تلجأ مصر إليه إلا في عهود ضعفها السياسي وقلقها النفسي. ولم يكن لمصر حينذاك أن تفكر في إعادة التعاون العسكري مع الإغريق ضد الفرس، بعد أن هادنت الدولتان الكبيرتان أثينا وإسبارطه الفرس، وانقلبت كل منهما على الأخرى تطحنها وتهد بنيانها "منذ عام ٤٣١ق. م". وظل الأمر مائعًا بالنسبة للقوميين المصريين حتى دخلت ثورتهم مرحلتها الرابعة معتمدة على سواعد رجالها بزعامة آمون حر الثاني في حوالي عام ٤١٠ق. م، وامتد لهيبها إلى أغلب الأقاليم المصرية وتكللت بالنجاح بعد نحو ست سنوات "أو ثمان سنوات". وإن كنا لا ندري عن تفاصيلها إلا ما روى من أن الملك استعان بقوات حاكم كيليكيا الذي لجأ إليه بأسطوله وذخائره فرارًا من بطش الفرس، وأنها انتهت بخلوص حكم مصر لأهلها، وتحررها من ربقة الفرس١. ومن هنا بدأ المؤرخ مانيتون الأسرة الثامنة والعشرين وقصرها على ملك واحد وهو زعيم الثورة آمون حر "الثاني" الذي استعاد ألقاب الفراعنة حوالي عام ٤٠٤ق. م وساعده على الاستقرار قليلًا وفاة دارا الثاني وانشغال ملك الفرس الجديد إكسركسيس الثاني بثورة أخيه قورش ضده ولكن آمون حر لم يستمر على العرش المستقل غير ست سنوات وشهور، أو نحوها، ومات حوالي عام ٣٩٧ق. م، ولم يخلفه ولده. وبررت بردية مصرية ديموطية هذا المصير من وجهة النظر الدينية، بأنه كان قد تجاوز نصوص الشريعة، ولهذا عاقبه الأرباب بحرمان ولده من عرشه، ولم يشفع له عندهم نضاله في سبيل تحرير بلده. ولا ندري هل عنت بمخالفته للشريعة اعتداءه بصورة ما على حرمان الدين أو متعلقات المعابد، أم أنها عنت بذلك خطيئة أكبر وهي احتمال اتجاهه إلى مصانعة الملك الفارسي "أرتاكسر كسيس الثاني" عدو الأمس بعد أن تخلص من مشاكله الداخلية وفتك بأخيه المنافس له على العرش وبدأ يهدد الإغريق، وهو اتجاه. إن صح، كان في نظر آمون حر سياسة لا تضره بعد أن استمتع باستقلاله، بينما كان في نظر الوطنيين المتطرفين خيانة استحق من أجلها أن يحرم ولده من عرشه.

وكان لكل من الجاليتين الكبيرتين النزيلتين في مصر، الإغريق واليهود، مصير مختلف وسط هذه الأحداث. أما الأغريق، فقد ترتب على تكرار محالفات الثوار المصريين للأثينيين، أن تفتحت أمام تجارهم الأسواق المحلية من جديد، وعوضتهم عما خسروه من منافسة قناة الدلتا إلى البحر الأحمر لتجارتهم في نقراطيس٢. وأما اليهود الذين آوتهم مصر منذ اضطهاد الآشوريين لهم، وسمحت لهم بمزاولة نشاطهم التجاري وحرية العقيدة فيها، فقد قابلوا ذلك بأن أصبحو أعوانًا للفرس ضدها، وغدوا عنصرًا شائعًا في الحاميات الفارسية، لا سيما حامية إلفنتين موضوع الحديث التالي.


١ Xenophon, Anabasis, I, ١٤, V, ٧٣.
٢ Cf. Mallet, Les Rapports Des Grecs Avec L’egypte, De La Conquete De Cambyse A Celle D’ Alexandre, ١٩٢٢, ٧٧, F.

<<  <   >  >>