للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[من الحياة الفكرية في العصر الكاسي]

اتضحت ظاهرة جديرة بالتسجيل بالنسبة لحضارة أهل العراق منذ أواسط الألف الثاني ق. م أو منذ ما قبلها بقليل، وهي انتشار خطهم المسماري وأساليبهم السامية وطريقتهم في الكتابة على ألواح الطين، انتشارًا واسعًا بفضل البابليين أولًا ثم الحوريين والميتانيين والكاسيين، في المراسلات الدبلوماسية لأغلب مناطق الشام ومناطق آسيا الصغرى، وذلك بحيث لم يتميز عن خطهم وأسلوبهم حينذاك غير خط مصر القديمة وأسلوبها. واستمر الحال كذلك، حتى بعد أن ضعف شأن البابليين والحوريين والميتانيين والكاسيين بفترة طويلة، وذلك مما يعني أن الكتابة بالخط المسماري والأسلوب البابلي أصبحت مجرد تقليد لا يرتبط بالضرورة بسمعة أصحابه الأصليين، وكان شأنها في ذلك يشبه ما أصبحت عليه اللغة الفرنسية حين غدت لغة الدبلوماسية الأوروبية إبان ازدهار ملكيتها وإمبراطوريتها ثم استمرت كذلك حتى الحرب العالمية الثانية بعد أن انكمشت سمعة فرنسا وزعامتها بزمن طويل.

والطريف أن الإلاميين على الرغم من سعيهم المتصل لتحطيم بابل ونجاحهم فيما هدفوا إليه من تحطيمها، قد ظهر التشبه بين كتابتهم وكتابتها منذ أواخر القرن الثاني عشر ق. م، أي منذ أن حطموها، وإن كانوا قد قللوا عدد الرموز المسمارية إلى ما يزيد قليلًا عن المائة، وظلت هذه الرموز حتى العهد الأخميني يتشابه نحو خمسها مع كتابة بابل، أي حتى اسخدمت فيها الحروف الهجائية١.

ونشأ بعض الظن بظهور اسم العراق في أواخر العصر الكاسي، عن طريق تقريبه من كلمة أريقا التي ظهرت في نصوصهم خلال القرن الثاني عشر ق. م، ولكن لا زال الجدل واسعًا بشأن هذا الاسم، وتميل بعض الآراء إلى اعتباره اسمًا سومريًّا دارجًا يعني الموطن، بينما تميل آراء أخرى إلى اعتباره اسمًا إيراني


١ راجع منس في الفصل ٣٥ من موسوعة جون هامرتون: تاريخ العالم - معرب بالقاهرة.

<<  <   >  >>