للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وضوح التجمعات]

صحب التطور الحضاري في فجر التاريخ بشقيه، العصر النيوليثي والعصر الخالكوليثي، اتجاه إلى تكوين المجتمعات القروية ثم بداية التطور نحو المجتمعات المدنية. وقد مر بنا كيف دعت حياة الزراعة أصحابها إلى الاستقرار بالقرب من زراعاتهم لرعايتها وحمايتها، وإلى التعاون في سبيل استصلاح الأرض واستغلالها، ثم في سبيل دفع أخطار الفيضانات وتيسير الانتفاع بمائها، كما دعتهم إلى التقارب والتماس الأمن للفرد وأسرته وملكيته وسط الجماعة وفي حماية المجموع. وأدت هذه العوامل إلى تجمع سكان المناطق الزراعية في قرى صغيرة كانوا ينشئونها على مناطق الحواف، أي الحواف الزراعية والحواف الصحراوية، أو المناطق المرتفعة بعض الشيء عن مناطق الزراعة المنخفضة؛ بغية الابتعاد عن رطوبة أرضها، وبغية توفير مساحاتها للإنتاج الزراعي بقدر الإمكان. وكان المادة الميسرة في إنشاء مساكن القرى الزراعية هي الطين، الذي بدأ استخدامه في البناء على هيئة الجواليص، أي الكتل غير منتظمة الشكل، ثم تطور إلى هيئة قوالب اللبن المستطيلة المنتظمة الشكل مع تدعيم الطين فيها بالحشائش الجافة والمواد العضوية حتى يزداد تماسكه، ومع تدعيم أساسات المساكن نفسها بقطع الدبش الغفل، ونشأت أمثال هذه القرى في بداية أمرها متواضعة

<<  <   >  >>