للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظهرت آراء جديدة ترى أنهم عرفوا الجياد منذ الدولة الوسطى أيضًا١، وأن أوائل الهكسوس لم يدخلوا مصر بالخيل والعربات منذ بداية أمرهم، وإنما وفدت بها جماعات قوية منهم أتت بعد تسرب أوائلهم إلى مصر بفترة غير قصيرة. وهكذا يتجه الترجيح حتى الآن إلى أن أهم عدد الحرب الجديدة التي أعانت الغزاة هي الدروع التي أكسبتهم مناعة وثقة، والأقواس المركبة الكبيرة المصنوعة من "طبقات" الخشب ومن القرون ومن أوتار شديدة٢، وكانت ترمي بشدة وإلى مدى أبعد من مرمى الأقواس المصرية القديمة، وأخيرًا عربات الحرب بخيولها. وفي اعتمادهم على عربات الحرب ما يضعف رأي قديم رد أصل الهكسوس إلى شبه الجزيرة العربية، حيث لم تكن صحراؤها تسمح باستخدام مثل هذه العربات. أما عوامل التفكك الداخلي التي بسرت لهم سبيل الغلبة فقد شرحناها من قبل، وأما وقع غزوتهم على المواطنين المصريين فيكفي فيه ما استشهدنا به من وصف مانيتون المؤثر له.

ولم يكن من المتوقع أن يخلص أمر الدولة التي طمع الهكسوس في إقامتها بمصر لملك واحد على الفور، فقد حال دون ذلك أمران، وهما: أن الهكسوس كانوا قبليين في مجموعهم، آريين وأموريين، اعتادوا على أسلوب الإمارات المنفصلة وأنه لم يكن من المنتظر أن تدين مصر العظيمة لهم بالطاعة في سهولة. وترتب على هذين الأمرين أن تعددت أسماء الحكام في أيامهم الأولى تعددًا كبيرًا، وكان من هؤلاء حكام مصريون استمسكوا بأقاليمهم في غرب الدلتا وفي أقصى الصعيد واختلفت صلاتهم بالهكسوس تبعًا لموقفهم منهم ومدى قدرتهم على مقاومتهم، واعتبر كبارهم أنفسهم الورثة الشرعيين لملوك الدولة الوسطى الوطنيين وخلعوا على أنفسهم ألقاب الفراعنة كاملة، ولهذا جرى الاصطلاح على تسمية عصرهم باسم عصر الأسرة الرابعة عشرة على الرغم من أن القرابة بينهم كانت محدودة وكانوا معاصرين للهكسوس فعلًا، ودل ذلك على أن روح المقاومة الوطنية لم تمت. وفي الوقت ذاته لم يكن زعماء الغزاة أقل طموحًا، فانتحلوا لأنفسهم صفات الملوك وألقابهم أيضًا، ثم أخضعهم لسلطانه أشدهم بأسًا وجنودًا وجمعهم تحت رايته، وكان فيما روى مانيتون يسيطر على منطقة منف الغنية مركز الحكم القديم، ويدعى "سالتيس". واتخذ سالتيس "وهو اسم محرف" هذا عاصمة جديدة في شرق الدلتا على ضفة الفرع التانيسي القديم، كانت تسمى في اللغة المصرية "حة وعرة" وهو اسم بقي حتى الآن في اسم هوارة، وحوره الإغريق إلى "أفاريس"٣. واعتمد اختيار هذه العاصمة على أساس وقوعها وسط أتباع الهكسوس من المهاجرين الأموريين، وقيامها فوق كثبان رملية تطل على الفرع التانيسي، وحماية المناقع لها على بعد منها، ثم على أساس قربها من آخر


١ W.B. Emery, Kush, VIII, ١٩٦٠,٨, Pl. III B.
خرج الأستاذ ولتر إيمري بهذا الرأي بعد قيامه بحفائر أثرية في منطقة بوهن بالنوبة العليا، وعثوره فيها على هياكل خيول دفنت في مستويات قديمة لأطلال أحد الحصون المصرية هناك. وقد حدد تاريخ هذا المستوى بأيام الدولة الوسطى. ولكن ظهرت آراء أخرى تعارضه وتود إرجاع هذا المستوى على أوائل الدولة الحديثة.
٢ جون ولسون: الحضارة المصرية – ص٢٧٢.
٣ See H. Junker, Zaes, Lxxvii; P. Montet, Tanis. ١٩٤٢; H. Kees, Tanis. ١٩٤٤; Gardinier, Ancient Egyptian Onomastica, II, ٢٧٩ F.

<<  <   >  >>