للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحينما دعا يوشيا في عام ٦٣١ق. م. إلى التغيير الديني الذي تضمنه سفر تثنية الاشتراع، نزح بعض معارضيه وبعض الكهنة الذين فقدوا امتيازات معابدهم، إلى مصر. وزادت دواعي الهرب من يهوذا حينما اشتد حصار البابليين حولها، وقد عاونتها مصر في عهد الملك واح إب رع على مقاومة هذا الحصار. وعندما تمكن البابليون منها ودمروها ارتحل بعض أهلها إلى مصر ووسعتهم رحابة صدرها، كما استقبلت بعدهم نبيهم إرميا وأعوانه حينما لاذوا بها.

ولما كان اللاجئون في أغلب هذه الأحوال مستضعفين لم يجد بعضهم بأسًا من أن يعيشوا في أقصى جنوب مصر ويحتملوا ظروف الحياة فيه.

والتفتت آراء أخرى إلى أحداث مصر نفسها ودواعي اجتذاب بعض اليهود إلى حدودها الجنوبية. فافترض رأي أن أسلافهم كانوا ممن ساقهم الملك الآشوري آشور بانيبال من أتباع منسا ملك يهوذا خلال حملته ضد مصر في عام ٦٦٧ق. م، ولعله ألزمهم جنوب مصر ليعملوا فيه باسمه، أو لعلهم انطووا فيه على أنفسهم بعد رحيله. وردهم رأي آخر إلى عهد الملك بسماتيك الأول في منتصف القرن السابع ق. م. حينما فتح أبواب مصر أمام الجنود المرتزقة من كل نحلة، كي يحفظ التوازن بهم في جيشه إزاء المرتزقة القدامى الذين استشرى أمرهم واستعان بهم الأمراء الإقطاعيون المنافسون له، فدخل معهم بعض اليهود إلى جانب غيرهم من بلاد الشام وبلاد الإغريق وجزر البحر المتوسط الشرقية. وعندما استقر أمر الملك وزع مرتزقة جيشه على حاميات الحدود فكان من نصيب اليهود أن ضموا إلى حامية أسوان. ولعله قد جند بعضًا آخر من يهود فلسطين خلال حصار جيشه الطويل لمدينة أشدود، وتلقى بعضًا آخر منهم من منسا ملك يهوذا في مقابل ما زوده به من خيول الحرب. وعندما فرض الملك نيكاو الثاني نفوذه على أروشليم خلال استعداده لملاقاة البابليين، فرض عليها جزية كبيرة وأسر ملكها وساق بعض أعوانه إلى مصر.

وثمة رأي يفترض ما هو قريب من هذه الظروف في عهد الملك بسماتيك الثاني، على أساس احتمال انضمام بعض اليهود إلى معسكره خلال حملة جيشه على بلاد خارو في جنوب الشام، وأن بعضهم قد انضم إلى مرتزقة جيشه الذين تألفوا من كيريين وإيونيين وروديسيين وفينيقيين خلال حملته على أطراف دولة بناتا الجنوبية.

ويبدو أنه كان من المشكلات التي واجهت الملك واح إب رع "أبريس" في أواخر عهده ثورة بعض جنود حامية إلفنتيني ضده وارتحالهم إلى النوبة، وبهذا سنحت فرصة أمام المرتزقة الأجانب ومنهم اليهود ليستقروا محلهم. وذكر المصري نسحور قائد بوابة الأقطار الجنوبية في عهد هذا الملك تواجد جنود عامو "أي قبليين"، وستيو "أي آسيويين" وحاونبو "أي إيجيين"، في أسوان، وكان أغلب القبليين والآسيويين من الآراميين واليهود. وأشارت بردية ديموطية من العام ٤١ من عهد الملك أحمس الثاني "أمازيس" إلى إيفاد عدد من قواته إلى النوبة، وكان من بين الجنود المرتزقة المنضمين إليها ٦٠ شخصًا من خارو أي من جنوب الشام، و١٥ شخصًا من آشور "أو من سوريا؟ ". ولعله قد زاد من فرص التواجد في أسوان أمامهم اتجاه سياسة الدولة حينذاك إلى سحب المرتزقة الإغريق من حاميات الحدود، فحلوا محلهم.

<<  <   >  >>