والغريب أن نبوءات أنبياء اليهود أو أحبارهم، ظلت مع كل ما قدمته مصر لشعبهم في الداخل وفي الخارج لا تني تتوعدها بالمستقبل المظلم وبكل شر مستطير!
وتزايد تواجد اليهود في معسكرات أسوان على الحدود الجنوبية خلال عصر الاحتلال الفارسي، فكانوا من أدواته وأقرب إلى الإخلاص له وعيونًا له على الوطنيين المصريين وعلى أحداث النوبة. ولعل ذوي قرباهم من يهود فلسطين الذين اعتبروا قورش ملك الفرس مسيحهم المنتظر الذي أعادهم من المنفى، قد ساعدوا الحملة الفارسية على مصر في عهد ولده قمبيز. وقد وجد يهود مصر الجزاء المباشر على ذلك بحيث روى أحد يهود القرن الخامس ق. م في أسوان، أن ملك الفرس "قمبيز" قد هدم كل معابد آلهة مصر وانقص مواردها ولكنه لم يصب المعبد اليهودي في جزيرة آبو بسوء. وروى هيرودوت من ناحية أخرى أن قمبيز أرسل أكلة السمك من الفينيقيين يحملون الهدايا إلى دولة نباتا بهدف التجسس عليها، ويغلب على الظن أن أغلبهم كانوا من اليهود. واستمرت سياسة تقرب اليهود من الفرس في مصر في عهود خلفاء قمبيز بحيث اعتزوا بأنهم احتفظوا لديهم بنسخة من تاريخ حياة الملك دارا الأول، وعندما بليت كتبوا لأنفسهم نسخة أخرى.
على أن الملوك، حتى ملوك الفرس أو نوابهم على مصر، لم يطمئنوا إلى ولاء هذه الطائفة دون ضمان ورقابة، فجعلوا رؤساء الفرق الكبيرة "حيلا" والفرق الصغيرة أيضًا. "دجل من جنسيات أخرى، كالبابليين والفرس، وقد ذكرت الوثائق المعروفة أربعة رؤساء دجل بين أعوام ٤٦٤ - ٤٤٦ق. م، وأربعة آخرين بين أعوام ٤٤٦ و٤٢٠، ثم ثلاثة أو أربعة بين أعوام ٤١١ و٤٠٠ق. م. ولا يعرف أن دل تكرار رقم الأربعة في هذه الحالات على تواجد أربع وحدات دجل في آن واحد، أم غير ذلك. وهكذا كان رئيس المنطقة الملقب بلقب "فراتركا" ربما بمعنى الأول أو المقدم، من غير اليهود أيضًا، وكانت له بحكم منصبه سلطات الإشراف العسكري والمدني أيضًا.
ضمنت حرفة الجندية للأقليات الأجنبية في منطقة أسوان الإقامة والحماية، وانتفعوا بمرتباتها التي كانت عينية في معظم أحوالها تصرف من بيت المال في آبو وقد عبرت الوثائق عنه باسم خزانة الملك، وعن طريق بيت الملك، أي ديوان الحكم في المنطقة. ولم يحل هذا دون أن يعمل بعضهم في زراعة محدودة وأن يتملكوا تبعًا لذلك بعض الأراضي، وأن يرافق بعضهم قوافل التجارة إلى الجنوب، ويعمل بعض آخر جباة ضرائب في خدمة الدولة، وعاش المرابون اليهود في هذا المجتمع المفتعل الضغير على ما عاشوا عليه في كل العصور، فاتسمت شروطهم بالإجحاف حتى فيما بين بعضهم وبعض فبلغ سعر الفائدة ٦٠% وكانت سريعًا ما تتضاعف حيث كانت فائدة مركبة تضاف قيمتها إلى أصل الدين إن لم تسدد في موعدها لتخضع مثله لربح آخر.
وكطائفة تعتمد أساسًا على رابطة الدين - أقام يهود الفنتين في شمال الجزيرة معبدًا لإلههم يهوه جمعوا له المعونات من أثريائهم وفرضوا له تبرعات على رجالهم ونسائهم، ولعلهم قلدوا فيه بعض مظاهر معبد أورشليم في صورة متواضعة بطبيعة الحال، فكان له أعمده حجرية وسقف خشبي ويقوم به نصب ومذبح، ووصفوا ربهم فيه بأنه رب الجنود وأنه الرب الموجود في آبو الحصن أي حصن الفنتين، وإن خالفوا بذلك قانون