للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتراخاسيس اللذين قر رأيهما على استمالة نمتار بالقرابين من "طحين وخبز مقدد" عسى أن "تخجله الهدية فيرفع يده عن العالمين" ونجحت الحيلة وخف البلاء.

وبعد ألف ومائتي عام أخرى تضخمت شرور الناس، فقرر إنليل أن يبتليهم بالقحط والمجاعة، وأمر أداد بأن يحبس المطر وأن يرسل الرياح جافة حسوما، واستمر هذا لست سنوات فجفت الأرض وهزل البشر وقلت المواليد وأكل الناس أولادهم. وهنا استرضى إيا وأتراخاسيس أداد بقربات من طحين وخبز مقدد حتى لان جانبه وسمح لقليل من الطل والندى، وعمل إيا من ناحيته على أن يفتح ثغرة لمياه الأعماق فتدفقت تروي الأرض وتحيي أهلها، وبلغ استياء إنليل مداه لفشل خططه، وقر رأيه على أن يغرق كل الخلق بما أرادوا أن يحيوا به. وأمر بطوفان كاسح "أبوبو في البابلية وأماورو في السومرية" - وأخذ المواثيق على الأرباب أن يعاونوه على إحداثه.

واشتركت القصة في رواية أحداث الطوفان مع قصة جلجميش التالثة أحداثها - كما تشابهت إلى حد ما مع بعض قصص التوراة "سفر التكوين ٦: ١ - ٢٢" في تصوير غضب الإله على البشر وابتلائه لهم ثم عقابه لهم بالطوفان. ولكن ذهب القرآن الكريم مذهبًا آخر في تصوير ما أدى إلى الطوفان وتصوير بعض أحداثه "في سور: نوح والأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات والقمر".

جلجميش وقصة الطوفان:

هذا أشهر الأساطير التي روى البابليون في ثناياها قصة الطوفان القديمة بعد أن عدلوا فيها أضافوا إليها وغيروا بعض مسمياتها. وتخلفت من الصيغة البابلية لهذه الأساطير ألواح مبعثرة قليلة أمكن تصحيح قصتها واستكمالها من ألواح أخرى مرادفة لها وأكثر تفصيلًا منها كتبت بعدها باللغات الآشورية والحورية والحيثية١. وبهذا أمكن تكوين صورة عامة لها يفهم منها أن جلجميش كان حاكمًا على مدينة أوروك، أحبه شمش وحباه آنو وإنليل وإيا بنضرة الشباب وبسطه الجسم وجمال الصورة والقوة الخارقة والحكمة السابغة والنظرة الثاقبة حتى أصبح إنسانًا مثاليًّا، أو على حد تعبير الأسطورة حتى أصبح به ثلثان من الربوبية وثلث من البشرية. وقد اهتم بمدينته وأسوارها كما اهتم ببلاطه وفخامته ورفاهيته، فدب الحسد منه في نفوس معاصريه، وشكوه إلى أربابهم؛ وادعوا أنه يسخر أبناءهم ويحتبي عذاراهم ونساءهم، فاستجاب الأرباب لشكواهم وابتغوا أن يعيدوا السلام والطمأنينة إلى أرض أوروك التي أرسى الحكماء السبعة بنيانها "وهم سبعة حكماء أسطوريون نسبت القصص إليهم تأسيس وتحضير أقدم مدن في الوجود"٢. وأمر آنو الربة أرورو أن تخلق من الطين إنسانًا ينافس جلجميش قوة واقتدارًا حتى تهبط عزيمته حسدًا منه فينصرف طغيانه عن شعبه. وأتمت أرورو أمرها وغسلت يديها وقبضت قبضة من طين البراري وتفلت عليها وخلقت منها غلامًا دُعي إنكيدو "أو


١ See, Anet, ٩٠, ١٦٣, ١٧٢; Alexander Heidel, The Gilgamesh Epic And The Old Testament Parallels, ١٩٤٦; Ephraim Speiser, Anet, ٧٢ F.
٢ H. Zimmern, Az, Xxxv “١٩٢٣”, ١٥١ F.

<<  <   >  >>