للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنجيدو" عظيم البأس، له قوة الأسود وسرعة الطير، وفيه قبس من روح آنو ونينورتا، ولكنه نشأ على الرغم من قوته أشعر غير ذي فطنة ولا حكمة، فمال إلى مصاحبة الغزلان آكلات العشب دون الناس، وشاركها مرعاها وموارد شربها، وعزف عن طعام الناس وموارد شربهم. وبلغ من إخلاص لحيواناته أن تتبع شباك الصيادين فأتلفها، وتتبع حفرهم فردمها. فاشتكاه صائد إلى أبيه الشيخ، فوجهه أبوه إلى جلجميش وتنبأ له أنه سوف يستأسر إنكيدو عن طريق أنثى، فلما أعاد شكواه على جلجميش أوصاه بالفعل بأن يغويه بغانية جميلة، ففعل ما أوصاه به وارتحل بها ثلاثة أيام حتى بلغا البرية التي يعيش فيها، وتربصا به يومين حتى خرج بحيواناته يسقيها. واستطاعت الأنثى أن تلفه بجمالها، فكشفت له عن مفاتنها وخلعت له ملابسها وفرشتها له، ونجحت فيما فشل فيه غيرها، فاستجاب لها إنكيدو وقضى معها ستة أيام وسبع ليال، ولما أفاق بعدها التفت إلى البرية وحيواناتها، ولكن الحيوانات التي أحبته لفطرته وطهره ما أن رأيت وجهه بعد الخطيئة حتى ازورت عنه وهجرته، فأدرك دنسه واشتد به عذاب النفس والحزن واليأس. ولكن المرأة شغلته بحديثها المعسول وأوهمته أنه أصبح حكيمًا وحرضته على أن يواجه جلجميش ويستحوذ على مدينته أوروك وملكه العريض وينتقل من حياة البراري إلى جوار مقر آنو وإشتار "عشتار" وحياة المدنية. فاستجاب إنكيدوا للمرأة مرة أخرى ووصل معها إلى أوروك. وهنا تواردت الرؤى على جلجميش، ورأى فيما يرى النائم روح آنو تجلت في السماء على هيئة كوكب ونزلت عليه فحاول أن يرفعها أو يحركها ففشل، وتجمع أهل أوروك حولها وقبلوا قدميها. ولما أفاق جلجميش قص رؤياه على أمه الحكيمة نينسون، فنبأته بنبإ إنكيدو تنبأت له بأنه سيميل إليه كما يميل إلى أنثى. ثم رأى في رؤيا أخرى أن قومه ثبتوا فأسًا في الأرض وتجمعوا حولها، فاتجه إليها بدوره، ولما أعاد الرؤيا على أمه فسرتها له بنفس تأويلها الأول.

وقضى إنكيدوا مع غانيته ستة أيام وسبع ليال أخرى كاد ينسى نفسه فيها، فأثارت المرأة عزيمته ثانية وألبسته ثيابًا جديدة، وخرجت تشده كأنها أمه إلى أماكن الرعاة ليستعيد نخوته بينهم، فحن هناك إلى رضاعة لبن البراري، وعندما قدم إليه طعامهم وشرابهم ما درى كيف يطعمه ويشربه، فراضته المرأة عليه حتى اعتاده واستساغ الشراب العنيف وأسرف فيه، وأزال شعر بدنه واعتاد الطيوب، وأصبح يذود عن أغنام الرعاة ويصيد السباع. ثم أتى البرية رجل يستصرخه ضد جلجميش الذي استولى على زوجته، فاستثارت الغانية والناس همته حتى خرج إلى أوروك وهناك تجمع الناس حوله ورأوا فيه كفئًا لجلجميش وإن كان أقصر قامة منه.

وتلاقى البطلان في سوق المدينة وتصارعا مصارعة عنيفة، واستطاع جلجميش أن ينتصر على خصمه، ثم رق كل منمها للآخر وصادقه وأصبح كل منهما أحب إلى صديقه من نفسه، حتى كان يوم رأى فيه جلجميش صديقه دامع العين كسير الفؤاد، فلما سأله عما به شكا له الإعياء والمرض، فاعتزم جلجميش أن يدفع عنه الملل ويشركه في مغامرة مثيرة، وعرض عليه أن ينطلقا إلى حيث يعيش هواوا ويتعاونا على قتله عسى أن يذهب النحس عن الأرض بهلاكه، وهنا قصت الألواح مغامرة الصديقين في صورة قريبة من صورتها السومرية القديمة مع تعديلات يسيرة وتعبيرات تناسب آفاق المعرفة في عصرها، وكان من ذلك

<<  <   >  >>