للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمراء، وغريبه لمصاطب كبار الموظفين "فيما خلا استثناءات قليلة". وشيدت أغلب هذه المصاطب على نسق متشابه، ورتبت في صفوف تفصل بينها طرقات مستقيمة، وتجمعت على جانبي الهرم ومن تحته، فزادت من جلاله وأكدت ضخامته وجبروته، حتى بدا الهرم بينها وكأنه يشرف عليها من عل كما كان صاحبه يشرف على أصحابها في دنياه من عل. وشاد عظماء الأسرة الرابعة مصاطبهم من الحجر لأول مرة بعد أن كان أسلافهم يشيدونها من اللبن خلال عصور الأسرات الثلاث الأولى، وشادوها صماء لا فراغ فيها إلا فتحة من أعلاها تخترق وسطها وتخترق الأرض من تحتها حتى تصل إلى حجرة الدفن في باطن الصخر. وكان المعماريون يكسون جدران حجرة الدفن الصخرية أحيانًا بألواح من الحجر الجيري الأبيض ويلونونها بنقط حمراء ليقلدوا بها هيئة الجرانيت في مدافن ملوكهم. وألحقوا بالواجهة الشرقية لكل مصطبة مقصورة للقرابين ينتفع الزائرون بها في المواسم والأعياد ويقدمون القرابين فيها باسم المتوفى، ويدخلها الكاهن ليرتل دعواته وتعاويذه لمصلحة صاحبها. وكانوا يثبتون في صدر جدارها الداخلي لوحة صغيرة مستطيلة من الحجر الجيري تنقش عليها هيئة المتوفى جالسًا أمام مائدته، وينقش حوله اسمه وألقابه وأنواع القرابين التي يرجو أن تتوافر له في حياته الثانية. وتعتبر نقوش هذه اللوحات من أروع مظاهر الإنتاج الفني في عهد خوفو. وكانوا يضعون على سطح الأرض أسفل اللوحة مائدة للقرابين، يقوم على جانبيها قائمان من الفخار تعلو كلًّا منهما مبخرة لحرق البخور.

ولعل أقرب ما لفت الأنظار من آثار خوفو في السنوات الماضية، هي مراكبه. فقد عثر له حتى الآن على خمسة مواضع لمراكب، ثلاثة منها تقع إلى الشرق من هرمه، وقد نزعت منها مراكبها الخشبية أو بطانتها الخشبية في عصور سابقة، واقتصرت في حالتها الراهنة على مجرد حفر طويلة عميقة نحتت في الصخر على هيئة المراكب، وتتجه اثنتان منها اتجاهًا موازيًا للضلع الشرقي للهرم بين الشمال والجنوب، وتتعامد الثلاثة على هذا الضلع بين الشرق والغرب. ثم عثر له في عام ١٩٥٤ على موضعين جديدين لمركبين كبيرتين منحوتتين في الصخر على جنوب هرمه. وتم كشف أحد الموضوعين بالفعل ولا زال الآخر مغطى بسقفه الحجري المحكم حتى الآن. ووجدت في الموضع المكتشف ألواح كثيرة لمركب خشبية، لم يبلغ طولها ٤٣.٢٠ من الأمتار ويبلغ أكبر عرض لها نحو ستة أمتار، وقد فككت أجزاؤها ورتبت إلى حد ما مع بعضها البعض بحيث يسهل تجميعها، ووضعت معها مجاذيفها وحبالها وجوانب مقاصيرها "أو كبائنها" وأساطينها الخشبية التي شكلت تيجانها على هيئة سعف النخيل وزهور اللوتس. وذهب الرأي في حينها على تسمية مركب خوفو هذه وأخواتها، باسم مراكب الشمس، والربط بينها وبين رحلتين يقوم إله الشمس بهما كل يوم ويصحب الفرعون معه فيهما، رحلة يجوب بها سماء الدنيا بالنهار، وأخرى يجوب سماء العالم السفلي فيها بالليل. ولكن صعب تأكيد هذه التسمية لعدة أسباب، أهمها سببان وهما: أن أشكال الحفر التي نحتت لمراكب خوفو أشكال متباينة تختلف من واحدة إلى أخرى، وذلك مما يخالف القول بأن مراكبها كانت تخدم غرضًا واحدًا وهو رحلة الملك مع إله الشمس في سماء الدنيا أو سماء الآخرة. وأن المراكب التقليدية التي صورتها المناظر

<<  <   >  >>