ومواردها، واستنزفت جانبًا كبيرًا من موارد الخزائن الملكية ومدخراتها، وجعلت الملكية أقرب إلى أن تفقد إحدى وسائلها الرئيسة للتعبر عن مجدها وسلطانها وممارسة السيطرة الكاملة على البلاد وأهلها، وهي الوسيلة المادية "أو المالية".
ثانيًا- ما يحتمل من أن فترات التنافس الداخلي بين كبار الأمراء على العرش، التي بدأت عقب وفاة خوفو، وربما كذلك عقب وفاة منكاورع وعقب وفاة شبسكاف، قللت بعض الشيء من هيلمان الفراعنة وأسرتهم، وأشعرتهم وأشعرت الناس بحاجتهم إلى تأييد كبار رعاياهم وضرورة كسب ودهم ولو على حساب خزائن حكومتهم التي كان تعتبر خزائنهم.
ثالثًا- أن فراعنة الأسرة عملوا على مسايرة دين الشمس وزيادة تشجيعه في مراحل عدة. ولم يكن دين الشمس في حد ذاته جديدًا في حياة شعبهم، وإنما كان الجديد هو اعتراف دولتهم به رسميًّا على نطاق واسع. بل إن اعتراف دولتهم به لم يكن في حد ذاته أمرًا ذا خطر، ولكن الخطر كان من أن يعقبه أمران، وهما: أن ينصرف جانب من ولاء الرعايا على الإله رع رب الشمس، وهو المعبود الظاهر لكل الناس والقريب من كل الناس، على حساب ولائهم القديم شبه المطلق للفراعنة وربهم الملكي الخفي حور، وأن ينصرف بالتالي جانب كبير من الموارد المادية إلى الديانة الجديدة، ديانة الشمس، على هيئة أوقاف وهبات وإعفاءات لمعابدها ومرتبات لكهنتها الذين أخذت أعدادهم تتزايد باستمرار، على حساب بقية موارد الحكومة وخزئنها وبمعنى آخر على حساب موارد الملكية وخزائنها.
وشهدت أواخر عصر الأسرة الرابعة عواقب هذه الظروف كلها بخيرها وشرها، فشهدت تسرب جزء من الموارد الملكية إلى مصارف جديدة، واضطرار الملوك إلى بناء أهرام صغيرة ومقابر على هيئة التوابيت، وشهدت اتجاه الملوك إلى كسب ود كبار رعاياهم، وشهدت انصراف جانب من ولاء الرعية وجانب من الموارد الملكية إلى المعابد وكهنتها. ويبدو أن أكثر المستفيدين من هذه الظروف كانوا من أنصار كهنة ديانة الشمس بالذات، وأنهم أخذوا يتطلعون إلى مزيد من الدالة على حكومتهم، ومزيد من التأثير على العرش وصاحبه. وتهيأت لهم فرص هذه الدالة وهذا التأثير منذ أن انتهت وراثة عرش الأسرة الرابعة إلى الأميرة خنتكاوس بعد وفاة أخيها، فشجعوا أحد خاصة قومهم المؤيدين لهم على الزواج منها، وهو "وسركاف"، وكان فيما يعتقد جردسلوف أميرًا حفيدًا للملك جد فرع، ورث الإمارة عن أمه نفر حوتبس بنت جد فرع١، ولم يرثها عن أبيه الذي يحتمل أنه كان من أنصار الشمس أو كبار كهنتها. وعندما تزوجها اكتسب عن طريقها شرعية الحكم التي ورثها عن أبيها وأخيها، واشتركت معه في تأسيس أسرة حاكمة جديدة وهي الأسرة الخامسة. ويبدو رأي جردسلوف مقبولًا إلى حد كبير، وإن لم يصل بعد إلى مرتبة اليقين.
١ Asae, ١٩٤٢, ٦٤ F. – وذلك على عكس رأي يونكر الذي خمن فيه أن خنتكاوس هل التي انحدرت من سلالة جد فرع.